جاء الدستور و«الطليعة» متزامنين في الوقت تقريباً، فاليوم نحتفل بمرور 50 عاماً على صدور أول أعداد «الطليعة» (13 يونيو 1962)، وبعد شهور نحتفل بمرور 50 عاماً على إقرار الدستور (11 نوفمبر 1962)، وجه الشبه هنا لا يتوقف على المدة التي تربطهما ببعض، ولكن أرى أن «الطليعة» – بحكم عملي ضمن أسرة التحرير سابقاً – أنها كانت وما زالت أحد الأجنحة القليلة التي ساهمت في أن يحلِّق الدستور عالياً ويسمو، واتخذت من مواد الدستور الكويتي ميثاقاً لها في أداء رسالتها.
«الطليعة» ساهمت في إرساء الثقافة السياسية لدى مختلف أطياف المجتمع الكويتي وشرائحه، وتواجدت في أوقات كان يخشى فيها الكثير أن يظهر أو يدلي برأيه، فبالفكر الوطني المستنير، وبمجهود شخصيات وطنية مخلصة، وأقلام لا ترتعش خلال سعيها إلى الحقيقة، ساهمت «الطليعة» في بناء حصون فكرية تقف ضد مصادرة الحق، ونبذ الفرقة، وتهميش الحريات العامة والخاصة، وقبل كل ذلك مجرد التفكير في النكوص والارتداد عن الدولة المدنية والديموقراطية.
لعبت «الطليعة» دوراً بارزاً في محاربة الفساد والدفاع عن المال العام، وتثبيت المبادئ الشرعية، واستقرار النظام السياسي بأبعاده المختلفة.
لا ننسى السيرة البرلمانية لنوابها في مجلس الأمة، فهي بمنزلة نبراس للأجيال الجديدة، بسمو أخلاقهم وأدائهم البرلماني الراقي، ومواقفهم السياسية الراسخة، التي يفتقدها الكويتيون هذه الأيام.
«الطليعة» على الدوام تشكل صلة وثيقة بين القارئ وبين المستجدات بكل النواحي، ولقد تميزت هذه المؤسسة الصحفية برأيها الجريء، وعدم التخلي عن النهج الوطني، بعيداً عن الممالأة لأي ضغوط.
كم تنزهت كثيراً في عقول أفذاذ عاصرتهم في ذلك المبنى العتيق الراسخ في وسط شارع الصحافة، فقوانين التحصيل والمعرفة الخاصة بجريدة «الطليعة» تؤكد أن السنوات لا تقاس بشهورها وأيامها المتعاقبة، ولكنها تقاس بأزماتها العقلية، فقد عايشت ساعات اللحظة عندما كنت أقف أمام شخصيات لها تاريخها كالدكتور أحمد الخطيب، أو الأستاذ عبدالله النيباري، أو الأستاذ عبدالله السبيعي.
يكفيني فخراً أنني تتلمذت وتمترست في مدرسة رئيس التحرير – آنذاك – الأستاذ والأخ الكبير أحمد النفيسي، أستاذ الصحافة الوطنية، قدوتي في عالم الصحافة السياسية، تعلمت منه آليات معالجة الأمور معالجة مهنية بعيداً عن المصلحة والتفرقة اللتين امتلأت بهما أغلب وسائل الإعلام في الوقت الحالي. فهو يمثل لي قيمة سامية ونبيلة في حياتي، أشغف لحديثه وأسعد باستشاراته.
وكثيراً ما يجول بخاطري أحاديثي الثنائية مع المرحوم سامي المنيس الذي ترك بصماته الواضحة في «الطليعة».
عندما أدخل ذلك المبنى المهيب الذي أكن له كل مشاعر الحب والوفاء أتذكر تلك النقاشات التي كانت تجمع أسرة التحرير كفريق عمل واحد يسعى جاهداً للوصول إلى الحقيقة ونقلها إلى القارئ.
وعلى الرغم من أن الثورة التكنولوجية أحدثت طفرة رهيبة في عالم الأخبار بفضل الوسائل المتعددة ومنها الصحف الإلكترونية وخدمات الـ «إس إم إس»، فضلاً عن الصحافة المرئية، لكن ما زالت أجيال كثيرة تصر على قراءة «الطليعة» وتلمس مواقفها، كون تلك المواقف ستكون بوصلة لهم في نهجهم الفكري والسياسي، ومقدمة لا يستهان بها يرتكزون عليها في تحليلهم للمواقف، وفي نظرتهم للأمور.
أعلم كم عانت «الطليعة»، وعانى القائمون عليها من معاداة قوى الفساد، وقوى التزمت، وقوى المصالح، ولكن ظلت «الطليعة» عالية… شامخة.. ثابتة على مواقفها… لا تحيد عن مبادئها.
50 عاماً و«الطليعة» و«أهلها» في قلوب الكويتيين وعقولهم.
فوزية أبل
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق