المقاطع: تأجيل اجتماعات المجلس.. الحدود والقيود الدستورية

سابقة دستورية بارزة شهدها يوم الاثنين 2011/6/18، بصدور أول مرسوم بتأجيل جلسات مجلس الأمة، تفعيلاً لنص المادة 106 من الدستور، وقد صدرت العديد من التصريحات السياسية من بعض الأعضاء وبعض الوزراء متضمنة رأياً دستورياً حول آثار مرسوم التأجيل يكشف عن اندفاع مستمر من دون علم أو دراية، وهو أحد أبرز وجوه البلاء في عملنا البرلماني حينما يتحول كل نائب إلى مفتي قانوني ودستوري بلا علم، انطلاقاً من موقفه السياسي وانطباعاته الشخصية غير المجدية بهذه الموضوعات الدستورية الدقيقة.

ولأهمية وضع النقاط على الحروف في تحديد آثار مرسوم التأجيل من الجوانب الدستورية والقانونية، أوضح الأمور المهمة الآتية:

1 – إن النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة بالموضوع هي المواد 93 و106 و111 من الدستور، بالإضافة إلى المادة 52 من اللائحة الداخلية. وبقراءة هذه المواد يتبين أن المادة 93 تنص على «يؤلف المجلس خلال الأسبوع الأول من اجتماعه السنوي اللجان اللازمة لأعماله، ويجوز لهذه اللجان أن تباشر صلاحياتها خلال عطلة المجلس، تمهيداً لعرضها عليه عند اجتماعه».

أما المادة 106، فتقرر أنه «للأمير أن يؤجل، بمرسوم، اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تتجاوز شهراً، ولا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد الواحد إلا بموافقة المجلس ولمدة واحدة، ولا تحسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد». كما تنص المادة 52 من اللائحة الداخلية على أنه «لا يحول تأجيل المجلس لجلساته دون انعقاد اللجان لإنجاز ما لديها من أعمال، ولرئيس المجلس أن يدعو اللجان للاجتماع فيها بين أدوار الانعقاد إذا رأى محلاً لذلك، أو بناء على طلب الحكومة أو رئيس اللجنة».

2 – إن مفهوم تأجيل اجتماع أو اجتماعات مجلس الأمة يختلف عن مفهوم عطلة المجلس، ويختلف أيضاً عن مفهوم «بين أدوار الانعقاد». وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يمكن إعمال أثر أي من الحالتين عليه إلا بعد بيان تكييفه القانوني ومدى إمكانية المقاربة أو المباعدة من أي منهما (مع الأخذ بعين الاعتبار ورود هذه المفاهيم باصطلاحها بمواد دستورية ولائحية أخرى مثل المواد 71 و107و111 من الدستور).

3 – إن الأقرب من المفاهيم لحالة التأجيل هو وجود المجلس بحالة عطلة (إجازة إجبارية بسبب مرسوم التأجيل). والتكييف هذا يترتب عليه أن تجري على التأجيل آثار عطل المجلس، ومن ذلك عدم تمتع أعضائه بالحصانة البرلمانية وجواز إصدار مراسيم بقوانين خلال هذه الفترة، مع جواز انعقاد لجان المجلس عملاً بالمادة 93 من الدستور.

4 – ومما يسعف على التكييف السابق هو أن التأجيل ليس له ميعاد محدد، فلو جاء قبل بدء دور الانعقاد، أي متصلاً مع إجازة المجلس، فلا جدل على سريان أحكام وجود المجلس بإجازة أو عطلة.

5 – أما التكييف الآخر، فهو أن التأجيل حالة قائمة بذاتها، مرتبطة بدواعيها وأسبابها وجوداً وعدماً وترتيباً عليه تتحدد آثارها، وبهذا المفهوم فإن تأجيل اجتماعات مجلس الأمة، إن كان لتجاوز أجواء التجاذب بين السلطتين لتهيئة الأجواء بينهما، فإن آثار التأجيل تمتد لتشمل وقف اجتماعات اللجان حتى تتحقق الحكمة من التأجيل أساساً، خصوصاً أن التأجيل، عملاً بحكم المادة 106، يختلف عما هو مقرر بالمادة 52 من اللائحة التي ينصرف حكمها لجواز انعقاد اللجان فقط في أحوال تأجيل مجلس الأمة بنفسه لجلساته، وليس بحكم المادة 106، والمغايرة بين الحالتين يترتب عليها حتماً مغايرة في الآثار المترتبة.

6 – والأمر الذي لا مجال للجدل بشأنه لدينا أنه لا يمكن أن يتم الجمع بين التكييفين السابقين، إلا إذا اعتبر أن التأجيل حالة قائمة بذاتها، وتم تبني مفهوم واسع للتأجيل أنه يشمل الأمرين معاً، باعتبار أن التأجيل مثل الإجازة أو العطلة البرلمانية، الأصل فيها توقف الأعمال ولا يجوز مباشرة العمل أثنائها إلا بنص، وهو ما تم بالنسبة للعطل البرلمانية بحكم المادة 93 من الدستور، وهو المفقود بشأن التأجيل، مما يعني إمكان سريان الأمرين عليه.

7 – وأرى خلاصة لما تقدم أن الرأي الأول هو الأسلم، وأضيف بأن عدم انعقاد اللجان يدخل ضمن الملاءمات المرتبطة بالظرف السياسي الذي أوجب التأجيل، لكنه ليس من آثاره، واستمرارها خصوصاً إن تضمنت أعمالاً رقابية أو تشريعية غير مرغوب بها ومرتبطة بظروف التأجيل قد تفوت حكمة التأجيل وتنقله لمرحلة تالية للمادة 106 وهي المادة 107.

اللهم إني بلغت،

أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.