عبداللطيف الدعيج: مرة ثانية «اللي شبكنا يخلصنا»

المادة 106 واضحة وصريحة وهي انها تخول الامير «تأجيل» اجتماع مجلس الامة لمدة لا تزيد على شهر واحد. تأجيل اجتماع مجلس الامة لا يعني تعطيله ولا وقف عضوية اعضائه ولا اسقاط حصانتهم (مع الاسف) ولا تعطيل اجتماعات لجانه. والمشرع الدستوري كان دقيقا هنا، فالتأجيل هو لاجتماع مجلس الامة وليس لاجتماعاته أو عقد جلساته. تأجيل الاجتماع الذي يعقب المرسوم لمدة شهر واحد بعدها يعود المجلس للانعقاد بشكل روتيني وبلا حاجة لمرسوم اميري لدعوته للانعقاد.

المنبر الديموقراطي اصدر بيانا قبل ايام حول الاوضاع السياسية «الجامدة» التي يمر بها البلد. وبيانه ربما يكون استباقا واعيا للخطوة السامية بتأجيل جلسات مجلس الامة، وكان لا بد بالطبع ان يحدد المنبر اسباب الجمود ومن ثم الاطراف المسؤولة عنه. وبالطبع ايضا كان اللوم الرئيسي على الحكومة وعلى غياب السياسات الادارية الناجحة، والتنصل من قواعد الحكم واصوله التي امتهنتها الحكومات المتعاقبة. ومع اننا نتفق مع المنبر الديموقراطي في اي نقد يوجه للسلطة أو الحكومة، فاننا لا نملك ايضا الا الاشارة الى ان «الناس» والاطراف الاجتماعية الاخرى لها دور اساسي في تحديد الخيار السلطوي وفي «ضبطه». لهذا فان الزعم أو التصور بان الخيار هو خيار السلطة وحدها، وبالتالي فان مأساوية الوضع تتحملها السلطة والحكومة، وان احدا غيرهما لا دخل له في ذلك، هو زعم وتصور يجافيان الحقيقة وفيهما تحامل في غير محله، تماما كما ان فيه تبرئة واخلاء مسؤولية للعديد من الاطراف.

اللافت للنظر ان المنبر الديموقراطي حمل الاغلبية البرلمانية الجزء الأقل من المسؤولية، والطريف هنا ان المنبر الديموقراطي يتهمها أو بالاحرى يتأسف لانها «لم تفِ وتترجم برنامجها الانتخابي الذي قدمته للشعب..» ماذا يريد المنبر هنا.. بالضبط ماذا يريد.؟! تطبيق الشريعة الاسلامية ام هدم الكنائس ام تسكير قنوات الاعلام الفاسد ام اعدام خلق الله؟! هذا هو البرنامج الحقيقي للاغلبية الدينية المهيمنة على مجلس الامة اليوم. اما اذا كان المنبر يتصور ان البرنامج هو مكافحة الفساد وتحقيق التنمية فهذه «خرابيط» سمعناها من زمان، لن يطرحها احد، ولن ينفذها احد اللهم الا اذا كانت وسيلة مساومة لتحقيق الاجندة المذكورة اعلاه للاغلبية، يعني مكافحة الفساد عبر تطبيق الشريعة الاسلامية وبقية برنامج المجاميع الدينية وأهدافها.

ان المنبر يتغاضى، أو هو مجبر بحكم «ديموقراطيته» ان يتغاضى عن الاسباب الحقيقية للورطة التي نعيش، والتي هي ثمار جهود ونشاط سلطوي تعسفي بدأ منذ تزوير انتخابات مجلس 1967 وتوقف قليلا بين 1970 و1974 وعاد بعنف وصلافة بعد حل مجلس الامة 1976 واعلان التحالف الثلاثي السلطوي – الديني – القبلي. لقد تم، منذ التزوير، تكييف «الوضع» السياسي وقبل ذلك الاجتماعي، وذلك لافراغ النظام الديموقراطي من محتواه، أو تحييد مبادئ الحرية والعدالة والمساواة فيه. بحيث اصبح نظامنا أو ديموقراطيتنا «خادما» لمجاميع التخلف وحاميا لموروثها وتقاليدها البائدة، ومقننا لسيطرتها وهيمنتها بدلا من ان يكون وسيلة لتحقيق العدالة والحرية والمساواة للجميع.

ان المطلوب تصحيح الوضع، وتصحيح الوضع في ظل الظروف الحالية التي تم اختلاقها اصلا لفرض هيمنة وسيطرة التحالف الثلاثي صعب ما لم يتم القيام باجراءات استثنائية.. المنبر الديموقراطي وغيره من القوى الوطنية لا يزالون بسذاجة يحلمون بتحقيق التوازن أو تقليم مخالب التخلف ديموقراطيا أو بالاحرى «انتخابيا» وهذا ليس صعبا ولكنه مستحيل هذه الايام. لهذا فان على «اللي شبكنا يخلصنا وغير هذا كلام فاضي وتخاريف عمر وليس صيف فقط».

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.