قضت المحكمة الدستورية أمس بـ”إبطال عملية الانتخاب برمتها، التي أجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم، لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة والتي تمت على أساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أن يستعيد المجلس المنحل- بقوة الدستور- سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن”.
حكم الدستورية بتفسيره المبسط يعني انتفاء وجود شيء اسمه “المرسوم 443 لسنة 2011″ الصادر بتاريخ 6/ 12/ 2011، والقاضي بحل مجلس الأمة 2009، وانتفاء مرسوم الدعوة لانتخابات الفصل التشريعي لمجلس الأمة المتعلق به، ما يعني أن مجلس 2009 عاد بقوة الدستور، وأن الحكم صحح خطأً قانونياً أعادنا إلى يوم تسمية الشيخ جابر المبارك رئيساً جديداً للحكومة قبل إصداره مرسوم حل المجلس.
وما إن أنهى رئيس المحكمة الدستورية المستشار فيصل المرشد منطوق حكمه بالطعن المقدم من مرشحة الدائرة الثالثة صفاء الهاشم، حتى بدأ نواب الأغلبية يطيرون صواريخهم الهجومية صوب “قصر العدل” قبالتهم مستهدفين السلطة القضائية، مستكملين ما سبق لهم التمهيد له بعد صدور حكم أحداث “ديوانية الحربش”، وهو الحكم الابتدائي المفترض استئنافه وتقويمه إذا كان معوجاً.
سيناريو التصعيد على القضاء بدأ منذ اعتصام نواب الأغلبية السابقة ومعهم المجاميع الشبابية بساحة “قصر العدل” على خلفية احتجاز المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة والتي دفعهم النواب إليها وتسببوا فيها، سعياً منهم إلى الضغط على السلطة القضائية وإرهابها، تماماً مثلما صعّدوا على الحكومة السابقة وأرهبوها ودفعوها إلى الاستقالة.
ولم يكن مستغرباً استمرار النواب بالتصعيد على القضاء لأنهم في حقيقة الأمر يعلمون أنهم محل تحقيق لتلبسهم بجريمة اقتحام مجلس الأمة، فكان لزاماً عليهم التصعيد مجدداً لهز ثقة الشارع بالقضاء وصرف الأنظار عمّا ارتكبوه من أعمال خلال الشهور الأربعة الماضية، حتى يكون قرار الإدانة اللاحق بحقهم بقضية الاقتحام في حال صدوره وكأنه متوقع “بعدما انقلبت السلطة القضائية على الدستور” كما قال أمس أكثر من نائب.
ويجب هنا لفت النظر إلى جزئيتين مهمتين: الأولى، تتمثل بإعلان عدد من نواب مجلس 2009، العائد بحكم الدستور، ممن كانوا يشكلون أغلبية في مجلس 2012 المنتفي أثره حكماً، يشكل قبولاً منهم بحكم المحكمة الدستورية، ولهذا آثروا تنفيذ الحكم وتقديم استقالاتهم لرئيس المجلس جاسم الخرافي ليرفعها إلى نواب المجلس الذي يعتبرونه “مجلس قبيضة”، لينظروا في قبولها من عدمه. أما الجزئية الثانية، فتتمثل بأن نائبين من نواب “الأغلبية المنتفية” وهما وليد الطبطبائي وعمار العجمي، ساهما في صدور هذا الحكم الدستوري بقضية الطاعنة صفاء الهاشم، استناداً إلى ما قدماه من دفوع شكلية لم تتعلق بموضوع الطعن باعتبارهما مشمولين بالطعن ذاته.
نواب “الأغلبية المنتفية” لم يستوعبوا الدرس بعد، فراحوا يحتمون بالقوى الشبابية وحرضوهم على النزول إلى “ساحة الإرادة” مجدداً، بينما النواب أخلّوا بتعهداتهم فأقروا قوانين “الإعدام” و”المشروعات الصغيرة” و”جامعة جابر” ولم يقروا ما تعهدوا به خلال حملاتهم الانتخابية، وهو كشف ذممهم المالية وإقرار قوانين مكافحة الفساد في أول جلسة لمجلس 2012، ولم يشكلوا حتى لجنة تحقيق في تداعيات حكم تعويض “الداوكميكال”.
حكم الدستورية كشف نواب أغلبية الـ35، فمن أقسم بأن لديه مستندات على فساد رئيس الحكومة السابق الشيخ ناصر المحمد سيكشفها أمام القضاء، لم يقدم دليلاً واحداً حينما مثل أمام محكمة الوزراء مرتين في قضية “التحويلات الخارجية”، وأن “من لذلك اليوم ولدته أمه” تمترس خلف حصانته بعد أن اتهم جاسم الخرافي بالفساد، ثم صوّت ضد رفع الحصانة عن نفسه، وأظهر حقيقة النواب الذين ضللوا الشباب وخدعوا الشارع، ووعدوا ولم يفوا بوعودهم، وحصلوا على أغلبية ذهبية أهدروها بالتسابق على الأضواء وتجيير الانتصارات لمصلحتهم على حساب هذا الوطن.
قدرنا أن تنتصر المحكمة الدستورية لمستقبلنا، مثبتة أن القضاء هو الضمانة الوحيدة لعدم إهدار الحقوق أو التعسف المبالغ فيه، فكان أن جاء حكمها مشتملاً العبارة التالية: “إن المحكمة وهي تفصل بهذه الدعوى ملتزمة بإنزال حكم القانون، وتغليب أحكام الدستور على ما سواها من القواعد القانونية، مقيدةً في ذلك بضوابط العمل القضائي وتغليب ضمانته، بعيداً عن العمل السياسي بحساباته وتقديراته”.
على الهامش:
تشاء الأقدار أن يكون لنا السبق بنشرنا على هذه الصفحة في “الجريدة” بتاريخ 15/ 12/ 2011 في مقال بعنوان “حكومة الوضع القائم” ما نصه “إن ما حدث خطأٌ دستوريٌ يستوجب التصحيح”، في إشارة إلى سابقة إصدار حكومة مستقيلة يرأسها رئيس مجلس وزراء بلا حكومة مرسوماً بحل مجلس الأمة، وهو بالضبط ما انتهت إليه المحكمة الدستورية بحكمها التاريخي يوم أمس.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق