الأزمة الحالية بين مجلس الامة والحكومة، هي في حقيقتها ازمة بين السلطة وحلفائها السابقين. صحيح ان الكثير من الانتماءات والاطراف غيّرت مواقفها او بدلت الوانها، لكن يبقى المهم ان التحالف السلطوي القبلي الديني لم يعد كما كان، وتحديداً منذ وفاة المرحوم الشيخ سعد.
سيكون صعبا كما هو ممل ايضا، اعادة شرح العلاقة بين السلطة وتحالفها. لكنها علاقة على اي حال تم بناؤها على تهميش القوى الوطنية الديموقراطية، ومن اجل تحييد المبادئ الديموقراطية وتقليص الآثار السياسية للنظام الديموقراطي في المجتمع. لهذا فان هذه العلاقة، كما نراها الآن، تشتد انفراطا وتتحول الى شبه العداء مع ازدياد اضمحلال الدور الوطني ومع توالي الضعف في البنى والمؤسسات الديموقراطية. باختصار.. بعد تصفية التيار الوطني، وبعد تقلص دوره لم يعد امام اطراف التحالف ما «تتفق» عليه، أو لم يبق لديها ما يجمعها. لهذا فان الصراع الآن بين السلطة واتباعها حول اقتسام الغنيمة.
لقد ربت السلطة طوال الثلاثين سنة الماضية، الجماعات القبلية والدينية، واليوم وبعد ان شبت هذه الجماعات واستقوت فانها تطالب باكثر من الفتات وبحصتها السياسية الكاملة. وازمة هذه الجماعات اليوم انها مسؤولة عن وراثة النظام الديموقراطي في حين انها بحكم خواصها الذاتية في تناقض وهذا النظام. اي ان علينا ان نعي انه تم اختيارها اساسا لضرب هذا النظام وتصفيته. لهذا فان المشكلة الاساسية اليوم هي في تناقض المجاميع الدينية والقبلية مع النظام السياسي للبلد.
هذا يعني ان الازمة ليست مثل ما يصورها البعض، اختلاف على المحاصصة الوزارية، فبيت القصيد ليس الخلاف على ستة او عشرة وزراء، ولكنه على «توجه» النظام وماهيّة الحكم. فاغلبية النواب تسعى الى ادينة الدولة والبقية تلهث الى الاستحواذ على مواردها. باعتبار ان البعض اخذ حصته او سرق تثمينا ومناقصات، واليوم دور البقية في الاستيلاء على الثروة النفطية عبر العطايا والبدلات. بينما السلطة لا تزال رهن التزامها الادبي والسياسي تجاه «الضعفاء»، او من تم استضعافهم طوال السنوات الثلاثين الماضية.
اننا نعيش مرحلة توازن غير محمود، بين السلطة ومؤسساتها القابضة والتي هي مع هذا عاجزة عن توجيه البلد، وبين الاغلبية النيابية التي تصر على ان تخضع المؤسسات والتشريعات العامة لهيمنتها وتعبر عن اتجاهها. من هنا والى ان يحسم الامر، اي ان تجد «السلطة» وسيلة لكسر عصا المعارضة المغروسة في الدولاب، فان البلد سيظل مكانك راوح.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق