د. سليمان ابراهيم الخضاري
نقد الذات هو في جوهره محاولة لتطويرها، فغني عن القول أن أي تطوير أو تصحيح لمسار لابد وأن يمر بمراحل تحتوي في بداياتها على تقييم لمجمل مسار الفرد منا، أو الجماعة، في استقراء للأهداف التي يتوخى البعض منا تحقيقها وهل تحققت بالفعل، مع ما يشمله ذلك من دراسة للأساليب التي اعتمدنا عليها من أجل الوصول للأهداف تلك.
ولعلنا في مجتمعنا اليوم في أمس الحاجة لتنمية ثقافة النقد الذاتي المشار إليها، ففي ظل واقع يرزح تحت وطأة التأخر – حتى لا نقول التخلف!- على جميع الأصعدة تقريبا، وفي ظل تراشق للاتهامات بين الأفراد والجماعات المختلفة حول من يتحمل مسؤولية هذا التأخر، لا بد لنا من وقفة مع النفس لتقييم مساهمتنا في تدهور الأوضاع، فمهما كان احساسنا بسلامة دوافعنا أو أفعالنا يَصعب تخيل أن يكون الوضع الحالي هو نتيجة لأفعال شخص واحد أو جهة واحدة، سلطة كانت أو طائفة أو قبيلة أو فئة اجتماعية أو تنظيما سياسيا.
إلا أن نقد الذات على الرغم من أهميته القصوى، يظل في النهاية ممارسة فردية أو اجتماعية لها ظروفها الموضوعية، شأنها في ذلك شأن الكثير من الممارسات والقيم الفردية والاجتماعية الأخرى، فقيمة التسامح والانفتاح على الآخرين مثلا هي قيمة ايجابية وضرورية -على ما أعتقد!- لكنها لا تنمو في ظل مناخ يشجع على الاقصاء والتطرف ويرى العالم بلونين اثنين لا ثالث لهما: أبيض وأسود.
والظروف الموضوعية المقصودة لتنمية النقد الذاتي متعددة ويصعب اختصارها، لكن الكثيرين لا يختلفون على ضرورة توافر جو من الاستقرار النفسي والاجتماعي والسياسي للخوض في مراجعة نقدية لمسيرة الأفراد والجماعات، حيث ان الأجواء التي تسودها اضطرابات من أي نوع أو يغلب على جملة التفاعلات السياسية والاجتماعية فيها التوجهات المتشنجة تدفع بالأفراد والجماعات على الانكفاء على الذات وتصور اختلاف الآخرين معنا متمحورا حول أصل وجودنا أو حقوقنا الأساسية، وهو التصور الذي لا يسمح أبدا لأي منا بممارسة نقد للذات قد يفهم منه التبرير للطرف الآخر في ما يقوم به تجاهنا.
والحقيقة هي أن الواقع في الكويت فيما يخص العلاقة بين الشرائح الاجتماعية والتوجهات السياسية المختلفة لا تعدو المثال المشار إليه آنفا من وجود كم كبير من سوء الفهم – حتى لا نقول الشك والتخوين – وتقاذف المسؤولية حول تأخرنا وتقدم غيرنا، كل هذا يتم في ظل أجواء صاخبة وآذان باتت تطرب لأطروحات إقصائية ومزايدات مدهشة تتعلق في كثير منها بقضايا – وإن أقررنا برمزية بعضها – إلا أنها لا تمس الواقع اليومي لحياة المواطن الكويتي وقضايا معيشته.
نعم، نريد فعلا وبمنتهى الجدية أن ندفع الجميع في مجتمعنا لممارسة قدر من النقد الذاتي، لكننا لن ننجح في مسعانا دون تمهيد الطريق لهكذا ممارسات فردية واجتماعية متقدمة، وهو ما لن يتحقق دون معالجة الأسباب التي تؤدي بنا غالبا لرؤية الخطأ عند غيرنا، مما يؤدي بنا دائما للخوض في حوار طرشان لا نميز منه إلا:
«أنت المسؤول»… وآخر يرد عليه… «لا… أنت المسؤول»!
Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق