عقلية التكبر والبطش والقمع تمقت وتكره وتحتقر الحرية. فمن يبدو يسلتذ بالبطش بالآخرين وقمعهم فقط لأنهم يختلفون عنه أو لأنهم يعتنقون آراءً معارضة يمقت الحرية ويكرهها بشدة, فمن يبدو تعود على فرد عضلاته على الآخرين يتكبر عليهم ويحتقر آدميتهم يبطش بهذا ويقمع ذاك لا يفقه سوى لغة التنمر والاستعلاء والقوة والجبروت. فبالنسبة إلى عقلية البطش والقمع: الناس الآخرون ليسوا أحراراً أو حتى كائنات بشرية تستحق التعامل الإنساني, بل قطيع يتم التعامل معه فقط بالعصي وبالسوط وعن طريق التخويف والقهر والكبت المستمر والسطوة والبطش, أو هكذا يقول لسان حال الباطش والقامع والكاره الأبدي للحرية. فعقلية البطش والقمع يُرعبها ويزلزل الأرض تحت أقدامها أن يصبح الإنسان, أي إنسان, بشراً حراً يتنفس الحرية الحقيقية, فإذا شعر الإنسان بالحرية, فلربما يطالب بالمزيد, أو هكذا تفكر عقلية البطش والقمع الدموية! والمقت في سياق كره الحرية يشير إلى “أَشَدُّ الإِبْغاضِ” حيث تتمثل الكراهية الشديدة لشيء ما (لسان العرب). وبالطبع, العقلية البشرية التي تتضايق من امتلاك الآخرين حريتهم الشخصية والفكرية لا يرونهم بشراً, بل عقبات في طريق الطغيان والتكبر.
عقلية البطش والقمع تزدري كل ما يشير إلى إمكانية حيازة الإنسان والفرد المستقل حريته الشخصية. وستعمل العقلية الكارهة للحرية على تشويه الحقائق وقلب الوقائع ومسخ السياقات المنطقية فقط بهدف إظهار الطرف الآخر كعدو للأمة أو كمتآمر عليها, مع أن الضحية طالب فقط بامتلاك ما يملكه أصلاً بطبيعته البشرية: الحرية ! وعقلية البطش والقمع شبيهة إلى حد كبير بعقلية الاستعباد التاريخية حين حاول مالك العبيد قهر وقمع ضحاياه كي لا يفكروا بالحرية. فبالاضافة إلى استعباده لبني بشر آخرين مساوين له في الكرامة الإنسانية, حاول مالك العبيد حفر الخضوع للعبودية في عقول ضحاياه, ولكن التجارب الانسانية التاريخية أثبتت أكثر من مرة أنه بعد التحرر من نير العبودية بقت آثار التعذيب والبطش على أجساد الضحايا كذكرى مريرة ستدفع الأحرار وباستمرار إلى مزيد من السعي نحو كسب مزيد من الحرية لهم وللآخرين.
من يمقت الحرية لم يتذوقها طوال فترة نشأته. فهذا النوع من البشر الماقتين للحرية مارسوا حرية خاصة بهم فقط: حريتهم في الاستعلاء على الناس, وتحقق جميع مطالبهم مرة عن طريق التنمر, ومرة أخرى عن طريق السطوة, ومرة كتلبية لشهواتهم ونزعاتهم الطغيانية. من يمقت الحرية لم يجربها إطلاقاً.
*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق