يعتقد الكثيرون أن الديمقراطية هي غايتنا ومنتهَى آمالنا، وأنها الترياق الذي يشفي المجتمع من كل أمراضه المستعصية، والعصا السحرية التي نلمس بها الرمل فيتحول ذهبًا يتلألأ، وبتلويحة منها في الهواء تتصدر بلادنا قائمة الدول العظمى وربما تتفرّد بها..!
في الحقيقة، الديمقراطية ليست بهذه الأبهة الخيالية والقدرات الخارقة، لكنها تظل أفضل نظام سياسي يتيح للشعب أن يحكم نفسه بنفسه، أي أن الشعب فيه هو السيد المطلَق، هو الذي يناقش ويقرر ويشرّع ويحاسب، هو الذي يملك إيصال من يراه كفؤًا إلى السلطة لإدارة دفة الحكم!
والبديهي أنه لكي يكون الشعب هو السيد، فلا بدّ أن تكون الحريات هي الوعاء الحاضن لهذا النظام، ونقصد بالحريات حرية الرأي والاعتقاد والتملك، إلى جانب الحريات الشخصية!
إذًا، الديمقراطية وسيلة وليست غاية، أما غايتنا، بل غاية كل مجتمع بشري، فهي العدالة الاجتماعية والحرية والاستقرار، والتوزيع المنصف للثروات!
السؤال، هل نحن مهيؤون للديمقراطية؟! بل هل نستحقها أصلاً؟!
لننظر إلى واقعنا، فمن أهم بنود الديمقراطية هو التعددية، لكن ما يحدث فعلاً أننا نلغي الآخر بمجرد أن يخالف رأينا، ولا نكتفي بذلك، بل نسِمُه بما يتيسر لنا من الألقاب والتهم، فهو الحاقد، وهو العميل لأطراف خارجية، وهو المأجور لقوى داخلية، ونبدأ بالمطالبة برأسه ورؤوس «اللي خلّفوه»!
نشجب الاستبداد، بينما نتفنن في إنتاجه واستهلاكه وتدويره، حكاماً ومحكومين، في البيت والعمل، والمجالس والدواوين، وصولاً إلى الحكومة، بل حتى في البرلمان الذي يفترض أنه جاء كثمرة للديمقراطية والتعددية، لكن للأسف ما نشهده من أحداث التجاذب والسبّ والضرب تحت قبته، بل والبصق تؤكد العكس! ولا أدري ما الفرق بيننا وبين حسني مبارك أو صدام أو نجادي!
وعلى الرغم من ذلك كله، أعود وأقول إننا لسنا بهذا السوء، فعشرات بل مئات من سنوات دموية عاشتها شعوبنا لم تعرف فيها غير القهر والكبت والقمع والتقديس للرموز، والطاعة العمياء لولي الأمر، ليس بالسهل نسفها في أيام أو شهور أو حتى أعوام، وطبيعي جدا أنه حين تفتح لها أبواب الحرية تحدث صدامات ونزاعات يذهب تحت أرجلها أرواح وقرابين، إلى أن يعتاد الناس تقبل الرأي الآخر بدلا من إقصائه!
ولا نغفل دور الحكومات في الترويج بعدم أهلية الشعوب العربية للديمقراطية، لاتخاذها ذريعة كي تستمر في نهج حكمها الذي يعزز تفردها بالسلطة والقرار، ولا تتوانى في سبيل التدليل على صحة موقفها باستغلال أي حدث أو رد فعل شعبي، وفبركة حيثياته لاتهام الشعب بالغوغائية والشغب والعبث بأمن البلد واستقراره، لترهيب الناس من هذا «البعبع» المسمَّى ديمقراطية، ولترسيخ شعورنا بالدونية وعدم الأهلية، وبأننا كائنات أقل قدرًا من تلك التي تمارس الديمقراطية الصحيحة في بلدان الخواجات!
إذًا، علينا أن ننتبه، ونتمسك بالديمقراطية تربية وتدريبا وممارسة، حتى تصبح سلوكا عفويا في حياتنا، إلى جانب حراك شعبي لا يتوقف، كي نضمن بقاء الحكومة تحت سلطة الشعب.. وليس العكس..!
mundahisha@gmail.com
@mundahisha
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق