الشعب المصري حسم قراره, وعلى هديه سارت مؤسسات الدولة كافة, الرئاسة الموقتة والحكومة والجيش, فهو شعب ليس قاصرا, ولم تسيره في يوم من الايام مواقف الدول.
هذا ما يجب ان تدركه دول الاتحاد الاوروبي ومن خلفها الولايات المتحدة الاميركية, وبعض العرب, لتتيقن ان مصر ليست جمهورية موز يرعبها بيان صادر من وزارة خارجية هنا او هناك, ولا تصريح لهذا الرئيس او ذاك, فتنهار على إثره الحكومات وتشتعل رؤوس الجنرالات فيقبضون على السلطة, بل هي دولة مؤسسات يصنع قرارها شعبها الذي ثار على الفاشية المتسترة بعباءة الدين, محاولة السطو على ثورته, وسلبه الحكم عبر انتخابات لم يعد خافيا على أحد ما جرى خلالها.
المصريون, ومهما تعاظمت المواقف السياسية المشبوهة لمعسكر دعم الارهابيين المتأسلمين, لن يسمحوا بعودة عقارب الساعة الى الوراء, بل هم مستمرون في صناعة مستقبلهم وإعادة بناء مؤسساتهم وفقا لرؤيتهم وحاجاتهم, وليس على قياس مصالح واشنطن او لندن او باريس او أنقرة والدوحة, لهذا على من يركبون موجة البكاء والعويل على سقوط حكم مرشد الارهاب والقتل والاقصاء ان يوفروا دموعهم فلن تفيدهم في شيء.
مصر هي صاحبة قرارها شاء من شاء وأبى من أبى, ولن ترهبها محاولات البعض تهديدها بمجلس الأمن الدولي, هذا المجلس العاجز الذي لم يفد سابقا, الشعب الايراني الذي تعرض لواحدة من أبشع مجازر العصر الحديث حين خرج رافضا تزوير انتخابات العام ,2009 بل يومها التزمت تلك الدول الصمت, ما شجع نظام الملالي على المضي في طريق القمع والقتل. هذا المجلس الذي لم يرفع سكين المجازر اليومية عن الشعب العراقي, ولم يمنع ما يتعرض له الشعب السوري من قتل يومي على أيدي قوات الحرس الثوري و”حزب الله”, ولا استطاع, قبل كل هذا, ردع اسرائيل عن تهويد القدس والتنكيل بالشعب الفلسطيني طوال العقود الستة الماضية, بل ان قراراته في هذا الشأن لا تساوي عند الاسرائيلي الحبر الذي كتبت فيه, فهل يعتقد مسؤولو تلك الدول ان فرائص الشعب المصري سترتجف حين يهددونه بمجلس الأمن او غيره من المؤسسات الدولية العاجزة? هذا شعب, كما قال وزير دفاعه عبدالفتاح السيسي, هو صاحب الشرعية يمنحها لمن يشاء ويحجبها عمن يشاء.
اليوم اتضحت الصورة, وعرف الشعب المصري من يقف الى جانبه ويسانده في قراراته من شعوب ودول كانت في طليعتها غالبية دول “مجلس التعاون” الخليجي التي أيدته ودعمته منذ اللحظة الاولى لاعلانه قراره التاريخي في إنهاء حالة شاذة كادت تودي بمصر الى التقسيم والحروب الاهلية, وبات يعلم أيضا من هي الدول التي تعمل على تقويض استقراره وزعزعة أمنه, فهو لمس لمس اليد ما قاله مدير الاستخبارات الاميركية السابق في العام 2006 عن السعي الاميركي الى زعزعة مصر والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى وإجبارها على الرضوخ للولايات المتحدة, فكان رد هذا الشعب العظيم بحجم التحدي وأسقط المسعى الاميركي, بل هو سيسقط بثباته على موقفه كل مساعي التخريبيين في الداخل والخارج.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق