لم يكن الكويتيون منذ الاستقلال قبل اكثر من نصف قرن، بهذه الدرجة من عدم الثقة بكيانهم ومؤسساتهم، بحاضرهم ومستقبلهم، بواقعهم ومآلهم، لم تعد الشكوى والشكوك مقتصرة على بعض الساسة والمعارضين كما كان عليه الامر في السابق، بل عمت الظاهرة وشملت كل الشرائح والطبقات.
فعلى الصعيد السياسي لم يعد الناس يتطلعون الى الحكومة والمجلس كمؤسسات قيادية جديرة بالثقة المطلقة، واصبح الدستور والقانون عرضة للتجاوز والارتجال، ولم تستفد الكويت من بحبوحة اموال النفط في بناء اقتصاد منتج مواز حيث تؤكد التقارير الدولية انها اكثر دول النفط اعتمادا على ريعه ومداخيله، وزادت الرواتب و«الكوادر» دون دراسة لمخاطر هذه التوجهات الاستهلاكية والتبذيرية والتنفيعية على الميزانية والتضخم وانتاجية الناس.
وبقي المجتمع في انقسام متواصل بين شرائحه، بل تعمقت سلبيات القبلية والطائفية وغيرهما حتى بات الكثيرون لا يفكرون في انجاز اي معاملة الا بالمعرفة والواسطة وربما الرشوة.
في مقدمة ضحايا هذه الاوضاع المريضة المقلوبة.. الشباب!
فمن واظب واجتهد ودرس ونال أعلى الدرجات العلمية يجد نفسه متخلفا في الوظيفة والمقام او مساويا في احسن الاحوال، لمن لم يتعب نفسه ونال كل ما يريد من شهادات العلم من خلال الجامعات الورقية والمراسلة والمكاتب الاكاديمية.
وفي جامعة الكويت نفسها صراع غير مضمون النتائج لوقف التدهور والحفاظ على الامانة العلمية ونزاهة التقييم وجودةالتعليم وعدم الاستسلام للفساد والتسييس واللامبالاة والغش.
الصحافة الكويتية، القبس 2012/6/20، تتحدث عن دراسة جامعية بينت «ان %62 من طلبة جامعة الكويت لديهم خبرة سابقة في ممارسة الغش بالامتحانات، وذلك على الرغم من ان %86 من الطلبة اكدوا علمهم باللوائح والعقوبات التي وضعتها ادارة الجامعة لمن يغش، كما يعتقد %41 من الطلبة بان عملية الغش منتشرة في كليات الجامعة».
قبل عام من تناول الصحافة لظاهرة الغش في الجامعة، نشرت «الوطن» في 2011/6/28 تقريرا عن التزوير في مجال لا يكاد احدنا يتصور وقوعه فيه، وذلك عندما تحدث مدير عام الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة، د.جاسم التمار، عن اجمالي عدد المسجلين في الهيئة وهم نحو 38 الف معاق، واضاف ان بعض الملفات تم استبعادها.. بسبب التزوير!
واضاف ان نسبة هذه الملفات قد تزيد عن %40، اي نحو نصف الملفات، وكشف الى جانب التزوير الى «ان كثيرا من الملفات غير مستكملة ولا توجد بها تقارير لجان طبية، فضلا عن التلاعب في كثير من الملفات».
ماذا جرى بعد ذلك؟ وهل استطاعت الهيئة ولاتزال، النجاة من الضغوطات وايدي التخريب والتنفيع؟ نتمنى ذلك.
يقال ان الناس في «الدول الاشتراكية» واوروبا الشرقية كانت تقف في اي طابور تراه لعلها تنال شيئا! ويبدو اننا في الكويت سائرون على الدرب نفسه، فالكثيرون تحولوا الى مطاردين محترفين لكل فرص الاستفادة من العروض والقروض، والرخص والتسهيلات، واستخراج كل الاوراق والوثائق اللازمة، بالطرق المشروعة والواسطة وربما التزوير ها قد حُل مجلس 2012، وتمت العودة المؤقتة الى المجلس السابق واحتمال بداية انتخابات جديدة، سينزف الدم الكويتي من جديد في خطب وتصريحات لا حصر لها.. دون امل في علاج!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق