الحب من جانب واحد، هو سبب أغلب قصص الحب الفاشلة، ولكنه يظل مع ذلك محل احترام الجميع.
وفي المسألة الدستورية، يبدو أن التعاون من جانب واحد، سيصبح سبباً لفشل التجربة الديمقراطية في الكويت، وهي التجربة العظيمة التي كان العالم ينبهر بها في وسط صحراء جدباء من أنظمة حكم لا تعرف الانتخابات طريقاً لتداول السلطة، وإن عرفتها فهي انتخابات غير نزيهة تمارس فيها كل أساليب الضغط السلطوي والتزوير والمال السياسي لإقصاء التيار الآخر والرأي الآخر.
الفصل بين السلطات
ونظام الفصل بين السلطات الذي هو جوهر النظام الديمقراطي في العالم كله، حيث تحد كل سلطة من السلطة الأخرى
le pouvoir arret le pouvoir، وهي العبارة التي لخص بها الفقهاء الفرنسيون فلسفة مبدأ الفصل بين السلطات، ولكنه ليس الفصل المطلق، بل هو فصل لحمته التعاون بين السلطات في الدساتير الديمقراطية كافة، ومنها دستور الكويت الذي ينص في المادة (50) على أنه: “يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور”.
ثم تستطرد هذه المادة لتحظر على أي سلطة من السلطات الثلاث النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور.
التعاون من جانب واحد
ولكن الممارسة الديمقراطية في الكويت قد أصبح لها مفهوم آخر في التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو التعاون من جانب واحد، مثل الحب من جانب واحد، فالحكومة مطلوب منها أن تتعاون مع الأغلبية البرلمانية الكبيرة في مجلس الأمة، تعاونا من جانب واحد.
وإذا طلبت الحكومة من الأغلبية البرلمانية التعاون، فالويل والثبور وعظائم الأمور، في استجواب هو حق دستوري لكل عضو يليه طلب طرح الثقة بالوزير، دون أن يسمع أحد من طالبي طرح الثقة دفاع الوزير، فالأغلبية البرلمانية قد اتخذت قرارها خارج “قاعة عبدالله السالم”، وقبل أن يُسمع دفاع الوزير وحتى قبل أن يقدم الاستجواب، وهو لا يزال جنيناً فى رحم الممارسة البرلمانية.
تأجيل اجتماعات المجلس
ولهذا جاء قرار صاحب السمو الأمير بتأجيل اجتماعات مجلس الأمة، ليخفف من حدة التوتر بين السلطتين، وهو الحق الدستوري للأمير الذي تنص عليه المادة (106) من الدستور، وإن جاء مقيداً بمدة شهر واحد، يعود بعده المجلس لاستئناف دور انعقاده، الذي لا يجوز أن تقل مدته طبقاً للمادة (85) من الدستور عن ثمانية أشهر لا تحسب منها فترة التأجيل.
الحل قد لا يقدم حلاً
وقد كان تأجيل اجتماعات المجلس، هو عنوان لمقال لي نشر على هذه الصفحة في عدد “الجريدة” الصادر في 31 مارس سنة 2008 قلت فيه بالحرف الواحد:
“إلا أن حل مجلس الأمة قد لا يقدم حلاً لكثير من الأزمات السياسية التي تقع بين السلطتين على ما يسمى بالقرارات الشعبية، والتي تكون الحكومة قد تحفظت عليها لتأثيرها سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو على احتياطي الأجيال القادمة، وغالباً ما ينحاز الناخب بحكم مصالحه الآنية، في التصويت للنواب الذين أيدوا هذه القرارات، ويحجب صوته عن النواب الذين أيدوا الحكومة في تحفظها عليها لقناعتهم بسلامة الأسباب التي بنت عليها الحكومة تحفظها، فتختفي هذه الفئة من المجلس القادم وتحل محلها فئة أخرى تعلمت من هذا الدرس وأعطت وعودها للناخبين بتأييد هذه القرارات، وسوف تلتزم بذلك في كل القرارات المماثلة، بما يخلق مزيداً من الأزمات”.
التناغم في أحكام الدستور
وقلت في هذا المقال بالحرف الواحد:
“ولهذا لا تعتبر مصادفة أن تأتي المادة (106) من الدستور في الترتيب بعد المادة (107) التي تجيز حل المجلس، بل كان هذا الترتيب مقصوداً ومتناغماً مع التدرج في استخدام الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة، ذلك أن تأجيل اجتماعات مجلس الأمة الذي تنص عليه المادة (106) من الدستور، قد يقدم حلاً بديلاً وناجحاً في كثير من ظروف الأزمات، بما تتيحه فترة التأجيل من مشاورات بين السلطتين حول الموضوعات التي تثير الخلاف، ولتعرض كل منهما وجهة نظرها في هذه الموضوعات والخيارات المطروحة حول حل الخلاف، وأن يتنازل كل من الطرفين عن بعض ما يبتغيه أملا في الوصول إلى حل وسط، يحفظ لكل من الطرفين هيبته ومكانته ويحقق المصلحة العامة التي هي غاية الجميع.
ومن المؤكد أن كلا الطرفين سيضع توجيهات صاحب السمو في مكانها اللائق بها في هذه المشاورات”.
لك الله يا مصر
تتوالى الأحداث في مصر لتخرج فيه من نفق مظلم إلى نفق مظلم آخر، وكلما هممت أن أكتب وقف القلم في يدي، وتتطاير الكلمات والمعاني، حيث أصبح لا أحد في مصر يملك الشرعية، ثورة أكلت أبناءها، والنخبة زيفت الحقائق وقلبت الأوضاع، والقوى السياسية تتكالب على “تورتة” الثورة المخضبة بدماء الشهداء، ولم أجد من الكلمات ما أعبر به عن الحزن العميق الذي يكاد يقتلع ما بقي بين ضلوعي، سوى أن أقول لك الله يا مصر!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق