لقد قرأت تقرير طوني بلير مرتين، وفي كل مرة أجد نفسي معجبا بمحتواه، وقد نشرته القبس في نوفمبر 2009 لعل وعسى ان ينتبه المسؤولون اليه ويصل صداه الى متخذي القرار، ولكن لا حياة لمن تنادي، وكان بودي أيضاً ان أرى هذا التقرير وانعكاسه على واقعنا الحالي الذي نعيشه، ولكن مع الأسف كان مصيره الادراج ولم نستفد منه شيئاً رغم الملايين التي صرفت عليه.
الآن نحن أمام مجلس جديد وحكومة جديدة أرجو ان يأخذا بعين الاعتبار ما جاء به من تحديات التي تحتاج الى حلول جذرية، سألخصه باختصار شديد للتذكير فقط.
1 – التحدي الديموغرافي: النمو السنوي للمواطنين هو بمعدل %3، أي انه في سنة 2030 سيكون عدد المواطنين 2.2 مليون يقابلها نمو سريع في الأيدي العاملة، وذلك نتيجة لرفع سن التقاعد وارتفاع معدل العمر أيضاً، فإذا علمنا ان %80 من الأيدي العاملة هي في القطاع الحكومي، فلن تستطيع الحكومة استيعاب هذا الكم الهائل من الموظفين، خصوصاً إذا علمنا ان عددهم الآن في الخدمة العامة يزيد بمعدل 3 الى 4 مرات للشخص مقارنة ببعض الدول كسنغافورة والولايات المتحدة والنرويج، أي ان ما يقوم به الموظف من مهام وظيفية في سنغافورة على سبيل المثال، يقوم بمثلها أثنان أو ثلاثة في الكويت.
ومما يفاقم هذا التحدي تزايد الطلب على البنية التحتية كالسكن والكهرباء والماء، وما يقابلها من عراقيل كايقاف الكثير من المشاريع التنموية كالمصفاة الرابعة وخط انابيب الغاز ومحطات توليد الطاقة، وذلك مما يزيد الضغوط على القطاع العام في التوظيف وهو المثقل حالياً.
2 – تحدي الطاقة: يشكل النفط عصب الحياة في الكويت، وهو يلعب دوراً أساسياً حاضراً ومستقبلاً، ويشكل حالياً %94 من صادرات البلاد، وحتى بالمستويات الحالية للإنتاج تقدر الاحتياطيات بانها ستدوم 70 عاماً، ولكن يجب ألا نغالي في هذا الافتراض وذلك للأسباب التالية:
أ – عدم الاستقرار بشأن خطط التوسع في إنتاج النفط، وذلك بسبب القيود المفروضة على المشاركة الأجنبية في قطاع الطاقة التي حرمت الكويت من الحصول على التكنولوجيا والمهارات لاستغلال النفط الثقيل والغاز الطبيعي.
ب – تراجع نصيب الفرد من الإنتاج على افتراض انتاج النفط سيصل الى 4 ملايين برميل، حيث ان النمو السكاني بهذا المعدل سيخفض نصيب الفرد من 907 براميل إلى 705 براميل سنوياً، وهذا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان النفط سيظل منافساً في مجال الطاقة، فلربما تزيد الضغوط وتدفع لتراجع أسعار النفط عند التوسع في مصادر الطاقة البديلة.
ج – خطر نضوب سريع للاحتياطيات، بينما تقدر الاحتياطيات 100مليار برميل هناك شكوك متزايدة بهذا الرقم، كما ان زيادة الانتاج الى 4 ملايين برميل يوميا سيسرع عملية النضوب.
3 – التحدي المالي: هناك ضبابية في الايرادات الحكومية يقابلها نمو سكاني كبير ورواتب ومزايا سخية جداً ستؤدي حتما الى عجز في الموازنة العامة سنة 2030 اذا لم تعالج بطريقة جوهرية.
4 – تحدي تنويع الاقتصاد: بينما نجحت بعض الدول في الخليج بتنويع اقتصادها غير النفطي، لم تستطع الكويت مجاراة ذلك، فالنصيب الحالي للنفط في الناتج المحلي %50 بينما في النرويج %17 وفي فنزويلا مثلاً %30 هناك اجماع على ان التنويع يجب ان يأتي من القطاع الخاص، الا ان بيئة العمل في الكويت تعاكس ذلك، والأسوأ من هذا ان انتاجية الموظف الكويتي تعادل %27 من انتاجية الموظف في الولايات المتحدة.
– اصلاحات ضرورية في مجال قطاع الأعمال: حقق اقتصاد دبي مستوى عاليا من التنويع خصوصاً في مجال تجارة التجزئة والسياحة والخدمات المالية واللوجستية مما خفض مساهمة النفط الى %40 في هذا المجال، السعودية أيضاً تحاول اللحاق بدبي بتحسين بيئة الأعمال، كما ان معظم الدول الآن تقوم بتخفيض الضرائب وتسمح بملكية الأجانب للشركات المحلية وتحاول القضاء على البيروقراطية.
– إنشاء مراكز إقليمية: قطر أصبحت مركزاً أساسياً للغاز الطبيعي في المنطقة. السعودية مركز أساسي للصناعات البتروكيماوية. أبوظبي تعزز قيادتها في مجال الطاقة البديلة. البحرين بها قطاعات مالية جاذبة للاحتياجات المحلية والأجنبية. دبي تبني أكبر مطار بالعالم ( 120 مليون مسافر سنوياً) وأكبر سعة للشحن الجوي عالمياً. القدرة الاستيعابية للموانئ تنمو بوتيرة متصاعدة وسعة المطارات تنمو بصورة هائلة. السكك الحديدية في السعودية ستغطي معظم المملكة، وستقوم السعودية بتحويل حائل الى مركز لتدفق التجارة البرية.
5 – التحدي البشري: من الضرورة لبناء اقتصاد مستدام توظيف الشباب في القطاع الخاص، ولكننا مع الأسف لم نؤهل هؤلاء للقيام بذلك، حيث تعتمد الأجور في القطاع الخاص على الإنتاجية وليس الانخراط في العمل فحسب، لذلك يجب معالجة نقطتين، الأولى، نظام التعليم المناسب لسوق العمل، والثانية، توقع عمل يتناسب مع الأجور.
6 – التحدي الاجتماعي: الكويت بحاجة الى تحسين خدماتها العامة، فبالرغم من الميزانيات الضخمة لا نزال أقل بكثير من المستوى الدولي، فلا يزال الطلبة الكويتيون يحتلون شبه المراكز الأخيرة في الامتحانات الدولية، وتعاني الكويت الكثير من معدلات الأمراض كالسمنة والسكري، حيث ان هناك %30 يعتبرون من البدناء و%15 يعانون أمراض السكري مما يؤدي الى مضاعفات مستقبلية كأمراض القلب والشرايين والتي تؤدي بدورها الى تكلفة علاجية كبيرة. هناك أيضاً تحديات بيئية كدورة النفايات، وارتفاع ثاني أكسيد الكربون، والتصحر، وتلوث البيئة الساحلية. كما ان الكويتيين من أكثر الشعوب استهلاكاً للكهرباء والماء لذلك يجب الحد من هذا الهدر.
7 – التحدي الجغرافي: هناك فرص اقتصادية واعدة في الشمال (إيران والعراق) ولكنهما دولتان غير مستقرتين وتشكلان مصدراً للمخاوف الأمنية، لذلك ينبغي للكويت ان تسعى لفرض الاستقرار في هذه الدول من خلال مشاركتها اقتصاديا عبر مشروعات تنموية.
8 – التحدي الأمني: الكويت بحاجة الى تنوع ضماناتها الأمنية خصوصاً بعد انسحاب أميركا من العراق، لذلك يجب ان تؤيد تطوير مجلس التعاون الخليجي ليؤدي بالنهاية الى حماية إقليمية، ففي جميع بلاد العالم هناك هذا التعاون كالاتحاد الأوروبي والآسيان، ولا يزال مجلس التعاون في بدايات هذه العملية وضعيفاً في توفير الضمانات الأمنية.
9 – تحدي التصور: يُنظر للكويت الآن انها بلد تتمتع بإمكانات كبيرة ولكن متأخرة عن غيرها، أي انها بلد دون قدراته الحقيقية، وهي بلد الفرص الضائعة، كما انه يُنظر اليها انها دولة من الماضي. هذه التصورات لها تأثير في نفوذها الدولي وطموحاتها الاقتصادية، لذلك نحن بحاجة الى تغيير هذه الصورة.
10 – تحدي الأداء: الديموقراطية الكويتية تعاني اختلالا في التوازن، فهناك شلل سياسي أعاق التقدم، وهذا يأتي بسبب اختلال في توازن المنافع ومسؤوليات النظام.
– سيناريو التقاعس عن العمل: ان خيارات التغيير لا يمكن ان تقوم بها الحكومة لوحدها، فالشعب والقطاع الخاص بحاجة الى إجراء تعديلات وتقديم تضحيات لضمان نجاحها، وتتطلب هذه الإصلاحات قيادة ورؤية ومبادرة، لانه من الصعب التغيير، وقد تعود هذا الجيل على أسلوب حياة الرفاه.
– عجز هيكلي في الميزانية بحلول 2015: في حال حدوث العجز في الميزانية، فإن تجنب الفوضى السياسية سيصبح على رأس أولويات الدولة، كما ان التأخر في وضع الحلول سيجعل من الصعب اقناع الشعب الذي تعود على حياة الرفاهية بشد الأحزمة والمساهمة في تمويل الدولة، ولا يمكن للكويت ان تتحمل تبعات هذه المخاطر، لذلك هناك حاجة ملحة لنظرة شاملة للإصلاح واقتناص الأمل في الغد المنظور.
د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق