كعادتي كل سنة، أخصص يوما محددا لترتيب أوراق مكتبتي الصغيرة التي تحتوي على كم من الكتب التي تستهويني خصوصا كتب التاريخ الحديث المتعلق بالشأن العربي بالإضافة إلى كتب الدراسة التي دائما ما أحرص على الاحتفاظ بها للذكرى ليس إلا!
في هذه المرة وبالصدفة، وقع بين يدي كتاب يعود إلى أيام دراسة المرحلة المتوسطة يحمل اسم الوطن العربي وعليه صورة لخارطة الوطن العربي الممتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي. تأملت كثيرا في غلاف الكتاب ودارت بذهني تساؤلات عديدة ولعل أهمها، هل هناك من يؤمن بالفعل حتى هذه اللحظة بحلم تحقيق الوحدة العربية؟
كيف للدول أن تتحد وما زالت الخلافات العرقية والمذهبية والطائفية قائمة داخليا وكذلك في ما بينهم، وما زالت المؤامرات تُحاك ضد بعضهم البعض تحت امرة العم سام؟ كيف لهذه الدول أن تتحد ومازال قادة الدول وشعوبها يرون الوطن العربي مقسوما بين دول فقيرة ودول غنية، بين دول شبه ديموقراطية ودول ديكتاتورية، بين دول مازالت تحلم بأطماعها التوسعية ودول أخرى تعيش تحت وطأة الحماية الخارجية؟ بين وبين والقائمة تطول.
لقد عاشت الشعوب العربية وهم الوحدة على أساس العادات والتقاليد المشتركة التي تربطها بالإضافة إلى الرابط الأهم وهو رابط اللغة والدين، إلا أن واقع الحال يقول ان الانتماء الوحدوي في جميع الكيانات الناشئة لم يتم إلا من خلال ما يعرف باسم القومية الدستورية، الذي يقوم بين دول تربطها مصالح وهموم مشتركة وليست عادات وتقاليد فقط. فالرابط الأهم هنا هو الهموم والمصالح! فكيف لوحدة عربية أن تقوم ولكل دولة أجنداتها وخططها المستقلة عن الأخرى!
إن من أهم ما وعى عليه الشارع العربي أنه لا يمكن أن تجتمع في يوم من الأيام الرغبة القومية الجامحة مع النهج السلطوي الذي يقود تلك البلدان العربية. ففكر القيادة العربية التي وصل أغلبها بالانقلاب أو بالمؤامرة أو حتى بحد السيف باستثناء القلة لم يقم على أساس تنمية بلدانهم وتطوير شعوبهم، بل كان كل همهم السعي للسيطرة على موارد وثروات دولهم، فغاب نتيجة لذلك الرغبة في تطبيق النهج الوحدوي الذي لم تكن الدعوة إليه سوى شعارات زائفه لإيهام الشعوب وكسب تعاطفها وإبعادها عن الشأن الداخلي. منذ متى ونحن نحلم بالوحدة العربية والخلافات بين الدول لم تقف ولم تهدأ؟ ولو عرضنا التاريخ لوجدنا أن وطننا العربي مليء بالنزاعات بداية من مفاوضات الجلاء في أواسط الثلاثينات والتي اعتبرت شرارة تدهور العلاقات اللبنانية – السورية وختاما بالغزو العراقي للكويت الذي يعتبر القشة التي قصمت ظهر الحلم العربي.
لقد أضحى التدخل في الشؤون الداخلية خصوصا بعد مرحلة ما يعرف بالربيع العربي ومحاولة بعض الدول لعب دور سياسي على مستوى إقليمي عاملا آخر في زيادة الحقد والكراهية في قلوب المواطنين العرب.
إن ادعاء أن الحلم مازال ممكن التحقق هو ادعاء من يعيش في أحلام اليقظة، فالأنظمة الحالية باتت أكثر تقوقعا على نفسها للحفاظ على وجودها الذي بات مهددا بفعل موجات التغيير العارمة، كما أن الدعوة إلى ترسيم الحدود بين بعض الدول العربية ما هي إلا للمحافظة على كيانات تلك الدول من أطماع جاراتها، كما أن عدم الاستقرار الداخلي لبعض الدول، يعني لا محالة أن ترتيب البيت الداخلي أهم بكثير من العمل على تحقيق أحلام قد لا تتحقق.
لقد وصل حلم الوحدة العربية إلى حالة ميؤوس منها حتى أصبح القول عنها (إنا لله وإنا إليه راجعون) أمرا معقولا ومقبولا ولن ينتظر هذا الحلم سوى ان يؤبن ويدفن حتى نقول لمصطلح الوحدة العربية وداعا.
Email: boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق