صلاح العتيقي: كلام جرايد

حينما نتحدث عن الثقافة فنحن نتحدث عن النشاط العقلي والروحي للإنسان، واذا تحدثنا عن رجال السياسة فنحن نشير الى التحكم والسيطرة، واذا تحدثنا عن الناس فنحن نعني بذلك الامة، لذلك يعيش الكاتب والمثقف في نزاع بين ما هو كائن وما يفترض ان يكون في عالم السياسة. ومن هذا المنطلق يجب تحديد العلاقة بين الكاتب المثقف ورجال السياسة والناس. يقول بعض الكتاب ان رجال السياسة يتصورون ان وجودهم الحالي اهم من وجود الأمة، وان المثقفين والصحافيين يجب ان يكونوا تابعا ومروجا للافكار التي يحملونها والمعتقدات التي يؤمنون بها، ولكن الواقع هو ان رجال الثقافة يدركون ان وجود الساسة هو جزء من مسار الأمة، ويجب التعامل معه على هذا الاساس فقط.

لا شك في ان هناك عدم ثقة وريبة من السياسيين تجاه الكتاب والمثقفين نلاحظها في كثير من تصرفاتهم، وعبر عنها احسن تعبير وزير الدعاية والإعلام في عهد هتلر غوبلز حين قال «عندما اسمع كلمة ثقافة لابد ان اتحسس مسدسي»، وكان مصير غوبلز ان انتحر بمسدسه هذا حين هزمت المانيا. هذه العبارة تدل على مدى ما يرى السياسيون ان الثقافة والصحافة خطر عليهم.

الكاتب يطل على المجتمع من النافذة، والناس يسيرون في الشوارع، وهو لا يستطيع ان يعمل شيئا غير الوصف والتعليق ومحاولة الارشاد، املا في ان يكون لها فائدة او ان يؤخذ برأيه، انه حين يطل على الناس كل صباح يعلم انه اما ان يُثنى عليه واما ان تلاحقه اللعنات او يمر ما كتبه مرور الكرام، فالناس ليسوا كلهم اكفاء معرفة حتى يتساووا في الحكم على رأي معين او فكرة.

هناك كثير ممن ترتاب منهم السلطات او الناس لشعورهم بوطأة كتاباتهم، فالكتابة رسالة، وهي صادمة في بعض الاحيان وتدعو للمواجهة، والمواجهة تستدعي دفع الثمن، لذلك فابراز الحقيقة مسؤولية ثقيلة، وهو لا يستطيع التوقف عن الكتابة فهذه مهنته او هوايته، لذلك لا يستطيع بالتبعية ان يوقف الرضا او الزعل، كثير من القراء لا يعلمون ماذا يجري خلف الكواليس، وما يتعرض له الكاتب في بعض الاحيان من رقابة ذاتية او من رئيس التحرير او السلطة او رقابة الناس، وهو يحاول ان يرضي الجميع في بعض الاحيان.

القراء لا يهمهم ما يجري خلف الكواليس، ما يهمهم هو الكلمة الحرة، والوصف الجميل، والتعابير الممتعة، والحوادث المعبرة، والقصص المثيرة والنقاشات المثمرة، كثيرا ما يسفه القارئ ما كتبه الكاتب، خصوصا اذا كان لا يثق في بعض كتاباته او لم يوافق ما كتبه هواه، ولا يعلم ان الصحافة مرآة لما يحدث في المجتمع، فمثلما تكونون يولى عليكم، بل انه يطلق على الصحافة كلام جرايد اي انها ليست محل ثقة.

هل يتفهم الناس لماذا يحجم بعض الكتاب عن التطرق لبعض المواضيع؟ نرجو ذلك.

د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.