محمد المقاطع: الخطاب الخاطئ والحقائق الغائبة

لماذا الإصرار على تصوير الأمور بخطاب خاطئ وخارج مسارها الطبيعي وسياقها المنطقي؟ لم يكن ما جاء بحكم المحكمة الدستورية من إعلان بطلان حل مجلس الأمة في 2011/12/6 وبعد ذلك إعلانها بطلان مرسوم الدعوة للانتخابات وبناء عليه إبطال انتخاب من أعلن فوزهم في 2012/2/2 مسألة مفاجئة ولا بعيدة عن المنطق القانوني، بل إنني فيما يزيد على ٢٠ مقالا وتصريحا حذرت من ذلك وطالبت الجميع حكومة وعلى الأخص نواب المعارضة في مجلس ٢٠١١ الإصرار على تصحيح الإجراءات قبل فوات الأوان وتجنب إدخال إرادة الأمة بمقامرة سياسية غير مأمونة لأسباب دستورية وقانونية واضحة، حتي بلغ بي الأمر للمطالبة بمقاطعة الانتخابات بسبب ما يشوبها من مخالفات دستورية جسيمة تعدمها من الوجود، وعليه قررت شخصيا مقاطعة كافة الفعاليات الانتخابية برأي منشور فلم أحضر لمقر ولم أشارك بأي ندوات رغم سيل الدعوات لي للقيام بذلك، وأزيد من ذلك فإننى لم أنتخب فلم أقبل المشاركة بإهدار إرادة الأمة، رغم وجود عدد من المرشحين الذين يستحقون التصويت لهم، مفضلا الموقف المبدئي حماية للدستور بدلا من التبرير الذي فضله من خاض الانتخابات لمجد ذاتى وطموحات شخصية.

وللحقيقة والتاريخ أشير وأذكر بأن ما يقارب ١٤ عضوا طالبوا بتصحيح العوار الذي أصاب حل مجلس ٢٠٠٩ وقد نشرت أسماؤهم بمقالتي بالقبس بتاريخ 2011/12/18 لكنهم لم يصمدوا أمام بدء السباق الانتخابي فاندفعوا بحجة أن الأمر تم ومن سيوقف ذلك؟! أو من سيطعن به وقلت للجميع إنه سيأتي ذلك بأي طعن أمام القضاء ممن له مصلحة ولم أجد آذانا صاغية، بل وخلافا لذلك ظهرت تصريحات عديدة للأعضاء بصحة إجراءات الحل وهو ما ساند عزم الحكومة على المضي بهذا الطريق، خصوصا تصريح النائب المخضرم أحمد السعدون الذي قرر احترامه لوجهة النظر الدستورية الأخرى إلا أنه يرى سلامة إجراءات الحل، بل وقال: لم يبق سوى أن تصدر الحكومة مرسوم الدعوة للانتخابات ونحن بانتظاره، وأمام ما يمثله تصريحه من وزن سياسي مؤثر، فقد تتالت بعد ذلك دعوات سياسية مماثلة، حتى صدر مرسوم الدعوة للانتخابات رغم المخالفة الدستورية الصارخة، ولذا أقول إنه لا يجوز أن تحمل الحكومة وحدها – رغم خطئها – مسئولية إبطال الانتخابات، إذ يتحمل المسؤولية وبالدرجة نفسها أيضا كل من ساندها بالرأي وبالضغط سياسيا عليها للسير بهذا الاتجاه استعجالا لعقد الانتخابات وكأن تأخر إجرائها اسبوعا أو أسبوعين تصحيحا للمخالفة الدستورية الصارخة إجرائيا سيغير في الأمر شيئا، وها نحن نصل لنتيجة متوقعة سبق أن نبهت لخطورتها وهي بطلان حل مجلس الأمة وبطلان الانتخابات، هذه هي الحقيقة وليتحمل الجميع مسؤولياته دون توجيه خطاب خاطئ في شأن هذا الأمر تحديدا كما ورد في بيان الأغلبية. فالحقيقة حق للأمة.

ولا بد من التنويه لحقيقة هامة أيضاً وهي أن «إبطال الانتخابات لعيب (دستوري) إجرائي ليس بدعة مستوردة» كما وصفها بيان الأغلبية، بل هو مبدأ دستوري وقانوني سطرته ورددته المحكمة الدستورية في العشرات من الأحكام الخاصة بالطعون الانتخابية منذ ١٩8١ وحتى طعون انتخابات ٢٠٠٩، إذ قررت المحكمة أنها تملك إبطال انتخابات عضو بعينه أعلن انتخابه، أو أكثر من عضو في دائرة محددة، أو إبطال العملية الانتخابية برمتها إذا شابها عيب يستوجب إبطالها، وقد كتبت دراسة كاملة بهذا الخصوص منشورة بمجلة كلية الحقوق في عام ١٩٩٧ بعنوان «اتجاهات القضاء الدستوري بشأن الطعون الانتخابية». ومن الأحكام الحديثة فى هذا الشأن الحكم الصادر بتاريخ 2007/1/22 في الطعن رقم 8 لسنة 2006، الذي قررت فيه المحكمة الدستورية أن العضوية فى مجلس الأمة مرجعها إلى عملية الانتخاب فإذا لحقت شائبة بها من شأنها أن تفضى إلى إبطالها انعكس ذلك بحكم اللزوم على صحة العضوية لمن أعلن فوزه فى الانتخاب، ومؤدى ذلك ثبوت أن أوجه الطعن تنصب على جميع مراحل العملية الانتخابية، كما قررت المحكمة أن لها فى حدود الطعن المرفوع أمامها بسط رقابتها على عملية الانتخاب للتأكد من سلامتها وكذا النتائج التى أعلنت استنادا إليها، وأن الطعن الانتخابى قد يؤدى إلى إلغاء العملية الانتخابية برمتها أو إلغائها جزئيا، والحكم الصادر بتاريخ 2008/9/17 في الطعن رقم 14 لسنة 2008، الذي قررت فيه أن اختصاصها دون غيرها بالفصل فى الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم يشمل اختصاصها بالفصل فى جميع المسائل الفرعية التى تعرض عليها بمناسبة نظر هذه الطعون، وأن اختصاصها فى هذا الشأن يفيد الشمول والاستغراق لجميع مراحل العملية الانتخابية من تصويت وفرز وأعلان للنتيجة وينعكس أثره على صحة العضوية لمن فاز فى الانتخابات ولذا فلا مفاجأة أن تنتهي المحكمة اليوم لما استقرت عليه منذ أكثر من ٣٠ سنه وحتى اليوم بجميع رؤسائها الخمسة منذ تأسيسها وبتشكيلاتها المختلفة، إذا هذه حقيقة من الواجب إيضاحها حتى يتم تداول ما هو صحيح بدل ما هو خاطئ. فالمحكمة سارت وفقا لمبادئها المستقرة التى سبقت فيها محاكم دول أخرى ولم تستوردها، هذه حقائق قانونية غائبة يظهر خلافها بخطابات خاطئة للتكسب السياسي وبكل أسف، فالوطن أهم منا جميعا ولا يجوز السكوت عن الخطاب الخاطئ، لجعله مدخلا لصراع سياسي على حساب الوطن.

تلك الحقائق تستلزم أن يتم تنفيذ حكم المحكمة الدستورية سليما وتكون إجراءات عودة مجلس 2009 – بحكم الدستور – متوافقة مع أحكامه بتمكين رئيسه من دعوته للانعقاد وأداء الحكومة لليمين أمامه لتجنب الدخول بمتواليات المخالفات الدستورية، عند الشروع بإجراءات أخرى قبل إتمام الإجراء الصحيح، وليكن رائدنا الحفاظ على الدستور لا الخضوع للتهديدات السياسية التي أضاعت الوطن(مقالتنا القادمة).

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.