رغم انشطار الإجازة الصيفية – وهي أطول الإجازات عادة – انشطارها إلى شريحتين فصل بينهما شهر رمضان المبارك إلا أن هذا الظرف لم يثنِ القوم عن الطيران إلى حيث يشتهون – من قبل ومن بعد – طلباً للراحة النفسية.. نتمنى نحن – المرابطين – ان يكونوا قد حصلوا عليها.
وأما المقيمون بيننا فقد كان من الطبيعي أن تركيزهم يتجه قسراً إلى حيث مياه البحر لأنه المصدر الوحيد للبلل من جفاف الصحراء للريق وللجسد وللنفس والروح أيضاً.
لقد تركني القوم أصنع بحيرتي الخاصة من الأوراق والأحبار، فالصحافة الورقية المحلية كريمة معي والكتب المؤجلة، بالإضافة للجديدة كلها ترنو إليَّ من بعيد أو قريب ولأن البحر غني بخيراته فإن بحيرتي تضاهيه بل تحاول التسابق معه وتترك الحكم لكم أيها القراء، يا من أسلمتم لي أنفسكم آخذها إلى حيث اشتهي.
هبة الخالق جلّ وعلا
لقد رزق الله الكويت بأرضها وشعبها كماً هائلاً من رضاه ورضوانه عندما أنبت بينهم شخصية لها بعض أخلاق الأنبياء وبعض من سلوك الملائكة اسمه عبدالرحمن السميط.
أجزم هنا – والله الشاهد على ما أقول – وبما أعرف عنه عن بعد وعن قرب بأنه ما مرّ على أمة العرب والمسلمين من يضاهيه ديناً ودنيا بالنقاء والصفاء والوسطية العاقلة والتواضع الجمّ والأريحية في التعامل مع البشر كل البشر، الأبيض منهم والأسود، الصغير والكبير، الجاهل والعالم، الفقير والغني، المسلم والوثني، أتباع الأديان السماوية وغير الأتباع.
لقد عرفته الآلاف التي أسلمت على يديه الكريمتين سلوكاً وحسن معاملة قبل أن تعرف أو تتعرف على دينه الإسلام، الأمر الذي كان مصدر الإجابة الشافية للاستفهام والاستغراب الذي صارحوه به فكان أن بسط لهم بساط التعرف على الدين الحنيف وبأكمل وأيسر الوساطات التي عجز عنها آخرون.
ليرحمه الله رحمة واسعة يستحقها.. وليعوضنا بقدرة رب العالمين عنه بتلامذته.
لقد بكته الكويت ورافقته إلى مثواه الأخير (طيّبه الله برضاه ).
قيل فيه وعنه الكثير من عاطر القول الذي يستحقه بجدارة لكنني شخصياً استوقفني موقعان مسَّا منِّي شغاف القلب:
الأول: كانت صورة صغيرة أصغر من حجم راحة اليد استقرت على الجانب الأخير من الصفحة الأولى («الوطن» 2013/8/6) فيها رسم للقارة الأفريقية ولكن بتقاطيع أو تضاريس امرأة سمراء تتساقط الدموع من عينها لتنطق (أفريقيا تبكي عبدالرحمن السميط).
الثاني: كان في اليوم الذي تلاه، فكانت لوحة كاريكاتيرية يتقاسمها (اللون الأسمر – الأرض) و(اللون الأصفر – الشمس) و(اللون الأسود – الليل) وعبر تلك الألوان الثلاثة نشاهد خلفية طفلين (سيلوليت) ينظران إلى الشمس الصفراء وهي تختفي شيئاً فشيئاً غروباً في حلكة الليل.
نعم… ذاك ما كان يمثل غياب المرحوم عبدالرحمن السميط – وبكامل وعمق الصدق – لإفريقيا وأهلها ذاك الرجل الذي احتضن الجميع دون فرقة ولا تفريق ما بين تشكيلة الأعراق والأجناس والألوان والأديان فإن كان سمو الأمير قد أمر بإطلاق اسمه على أحد شوارع الكويت المهمة، فأنا – المواطن الضعيف – أتمنى أن يكون ذلك في منطقة الروضة حيث انطلق بعمله لنجدة أفريقيا حتى نزداد نحن سكان (الروضة) زهواً وفخراً.
لكنني أتمنى أن يخلّد اسمه وبالإضافة إلى الشارع المقترح بتشكيل (لجنة علمية جادة محترمة وتملك الحسّ التربوي) تكون مهمتها جمع كل ما يتعلق به من معلومات مدونة وغير مدونة ثم استخلاص عصارة تجربته في كتاب واحد يدخل ضمن المناهج المدرسية في مادة (التربية الوطنية) للثانوي وللجامعة وكذلك مراكز الخدمة الاجتماعية حتى يساهم في نقل الخدمة المجتمعية من الأقوال والتصريحات والوعود إلى أفعال جادة تنموية تفرض نفسها على الواقع لرسم خطوط المستقبل.
ألم أقل لكم إن بحيرتي تضاهي بحركم غنىً؟!!
فاطمة حسين
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق