عبدالله خلف: من ينقل أفراد القاعدة إلى دول بعيدة

من الذي يحرك جماعات الإسلام السياسي من أفغانستان إلى اليمن والسودان والعراق وسورية وليبيا وتونس ثم الجزائر ومنها إلى جمهوريتي مالي والنيجر.. هؤلاء فقراء معدمون يتجاوبون لنداءات الجهاد، وكيف يتم نقلهم عبر البحار، من المؤكد أن هناك طائرات عسكرية تنقلهم لأن الحدود البرية محكمة لا يجتازها أحد إلا عن طرق أمنية مصرح بها.. ومن المستحيل أن تنقل هذه الأعداد الهائلة بطائرات مدنية.
وكيف انتقل مفهوم الجهاد من استهداف الإسلام إلى حروب إسلامية إسلامية، وعربية عربية.. وكيف سُخّر الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ليحول العداء من محاربة الدول الباغية وإسرائيل إلى عداء مذهبي وقومي وقبلي حتى يخشى على العرب والمسلمين من التفاني من المتفجرات التي تقصف بالمواطنين في الطرقات والأسواق وفي دور العبادة، رجال الدين المحرّضون قابعون في الفنادق الآمنة ويتلقون أجوراً عالية من أجهزة الإعلام اللوجستية حتى فاقت مداخليهم أهل الفن والطرب.. إذاعة لندن كان اسم ندائها: (إذاعة الشرق الأوسط) وعند الاعتداء الثلاثي على مصر غيرت نداءها إلى (هنا لندن) وأخذت تُهاجم الرئيس جمال عبدالناصر وتلقي الطائرات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية المنشورات على مصر وتذكر أن هذه الحرب وقذائف التدمير ونيران الحرب تُريد رأس عبدالناصر فقط فهبت الشعوب العربية والإسلامية في آسيا وأفريقيا تُناصر الرئيس عبدالناصر والشعب المصري.. وكرهت الشعوب العربية المذيعين العرب الذين يؤيدون الاعتداءات على مصر وسورية والدول التي يحث المذيعون على ضربها.. هنا صار عبدالناصر بطلاً قومياً وعالمياً يناصره نهرو وخروشيف وسوكارنو وكاسترو والمنظمات الثورية العالمية.. وبقيت الأحزاب الدينية في مصر تغض الطرف عن المعتدين وتعادي الحكومة المصرية والقوميين ووجدوا من يناصرهم من حكام عرب وفتحوا لهم مجال الهجرة إلى بلادهم نكاية بعبد الناصر.
استقال معظم المذيعين في الإذاعة البريطانية التي تبث من لندن وقبرص وذهبوا للعمل في الأردن فلاقوا رفضاً شعبياً، ثم ذهبوا إلى العراق فلاقوا عداءً وكراهية، فمكثوا في بيروت دون عمل إذاعي، وبعد أربع سنوات من الاعتداء الثلاثي حيث خفتت جذوة الحماس توزع مذيعو لندن فأوت الكويت بعضهم لتطوير الإذاعة فنياً وكان أكثرهم يحملون الجنسية البريطانية وضربوا ستاراً بينهم وبين العاملين الوطنيين، فمنعوهم من العمل في قسم تحرير الأخبار، والتقاط الأخبار.
وفي حقبة التسعينيات أخذ العمل دوليا في الإعلام الموجه لإقامة خريطة الشرق الأوسط الجديد لتقسيم دول الشرق الأوسط من خلال تنشيط الإذاعات اللوجستية، وتكوّنت فضائيات لتجسد مفاهيم الفرقة الطائفية والقبلية بطرق ذكية اعتمدت على دراسة العصبيات واحياء عصور الخلافات التي كانت قائمة قبل 700 سنة لبث الكراهة وتكفير الآخرين، العراق كانت من الدول الواعية التي تنبذ الطائفية فغرست في أرضها فتغير المجتمع ليُعادي بعضه أطرافاً أخرى وكثر الجدل في الفضائيات، وبثت مناهج التكفير حتى فرقت المسلمين إلى طوائف وفرق.. وخلقت الحروب التكفيرية الجهادية مع المتفجرات اليومية حتى انصرفت جماعات عن أعدائهم الخارجيين إلى عداء بعضهم والتاريخ يشهد بقتال المسلمين مع بعضهم حتى أن الذين سقطوا في حروبهم مع بعضهم يفوق كثيراً الذين سقطوا مع اعدائهم في الخارج.. وما زالت الفضائيات تؤجج العداء الداخلي، دون أن يسأل المتفاعلون مع الفضائيات من الذي أقامها ومن أين تأتي تكاليف نشأتها واستمرارها.
وهناك حديث شريف لرسول الله عليه السلام فيما معناه «لقد هلك من قبلكم أمم من كثرة الجدل».. وها نحن نعيش حروب الجدل في معظم البلاد.. والأمة الآن في جدل عقيم عن مفهوم الجهاد.. إذاعة لندن خصت ساعة كاملة تناقش وتشغل سامعيها عن مواطن إماراتي ضرب آسيوياً! ومواطن المذيعين يتراشقون بالمتفجرات ويقذفون مخالفيهم في الرأي من سطوح العمارات ويسحلون ويأكلون الأكباد كما كان في عهود الجاهلية.. وصرفوا النظر عن إسرائيل استجابة للفضائيات والإذاعات اللوجستية.. وقلب الاخوان في مصر أجمل وأنظف الأمكنة مثل ساحة رابعة العدوية وميادين وطرقات الاتحادية إلى قذارات ومطابخ ومحلات عشوائية وحمامات ومراحيض وتحرشات جنسية وملوثات باسم الإسلام والمسلمين.. هكذا حتى يقسموا مصر إلى دويلات، ودول أخرى.

عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.