لا شرعية لأي دولة او مؤسسة, بما فيها الجيش, الا من خلال الشعب, فالدول هي الشعوب بالدرجة الاولى, وحين تقول كلمتها على المؤسسات الاخرى تنفيذ ما تأمر به, وفي مصر أثبتت التجربة ان الشعب هو صاحب الأمر والجيش يلتزم ما تقرره الشرعية الشعبية وينفذ ما تمليه عليه مصالح وطنه, وهذه المعادلة مطلوب ان تستوعبها كل الدول التي تسعى الى إعادة إنتاج سلطة شمولية في أرض الكنانة متسترة بعباءة الدين لتخدم مصالحها.
قلنا في السابق ان الشعب المصري ليس قاصرا, ويستطيع قيادة نفسه بنفسه, ولا ننسى ان هذا الشعب هو صاحب الدولة التي كانت قد أقرضت بريطانيا العظمى في أوائل القرن الماضي, ولم يكن يوما يعيش على المساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع, ولا يرهن مصيره ومصير جيشه بملياري دولار أميركي أو أكثر, هو حجم المساعدات العسكرية الاميركية للقوات المسلحة المصرية, والتهديد بقطعها لن يحرك شعرة في رأس جندي مصري, فهذه المؤسسة تدير اقتصادا متكاملا, وهي ليست عالة على الدولة كما يتوهم من في الكونغرس الاميركي او البيت الأبيض.
بات من الضروري على تلك الدول التي ترفع لواء حقوق الانسان زيفا إدراك ان سياسة القراصنة التي استخدمتها أوروبا في العصور الغابرة للهيمنة على الشعوب والمجتمعات, وورثتها الولايات المتحدة الاميركية, لم تعد تصلح للتعامل مع الشعوب العربية التي يمثل الشعب المصري رأس حربتها في المواجهة الحالية مع الفاشية الدينية المتخفية تحت شعار”الاخوان المسلمين” الذين لا نصيب لهم من اسمه شيء, فعهد الاستعمار الاوروبي والغربي, المكشوف والمستتر, انتهى الى غير رجعة, وعلى هذه الدول ان تحترم الارادة الشعبية المصرية والعربية, وتدرك أننا أمة لا تخضع إلا لمصالحها ولما فيه خيرها, وليس لما تمليه تحالفات الظلام بين جماعات إرهابية وبعض الدوائر الغربية.
أثبتت التجربة ان الذين يتشدقون كثيرا بحقوق الانسان هم أبعد ما يكون عن صيانة تلك الحقوق, وليس قمع الاقليات وحريتها في ممارسة شعائرها وعيش حياتها وفقا لثقافتها إلا الدليل القاطع على ذلك, أكان في أوروبا التي قمعت حق المرأة المسلمة في اعتمار الحجاب او استخدام ما يسمى الرموز الدينية, بينما تجرم كل من ينتقد عنصرية الكيان الصهيوني ومجازره اليومية ضد الشعب الفلسطيني, او في الولايات المتحدة الاميركية التي اعتبرت نحو مليار وأربعمئة مليون مسلم إرهابيين, وتعاملت معهم على هذا الاساس بعد 11 سبتمبر, فيما هي اليوم تدافع عن الحاضنة التي فرّخت فيها كل الجماعات المتطرفة الارهابية, أي جماعة “الاخوان”, فهل تعتقد تلك الدول أننا أمة ساذجة الى هذا الحد حتى نصدق مزاعمها عن حقوق الانسان؟
مصر, بثنائيتها الصلبة, الشعب والجيش, حزمت أمرها وعملت سريعا على إنهاء الحالة الشاذة التي لم تكن تهدد الأمن القومي المصري وحده إنما الأمن العربي برمته, وأقفلت الى غير رجعة عش الدبابير الذي كان يزنّ على خرابها وخراب محيطها, واذا كانت أوروبا والولايات المتحدة الاميركية فعلا تحترمان حقوق الانسان وخيارات الشعوب الحرة, عليهما ان يرفعا الغطاء عما تبقى من جماعات إرهابية على أراضيهما, وتسليم الخارجين عن القانون الى الحكومة المصرية, وإقفال المنابر الاعلامية الموجودة على أراضيهما والتي تروج للارهاب في مصر والعالم العربي.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق