• التغيير سنة الحياة، أما في السياسة، فإن التغيير هو الثابت الوحيد. ويأتي ضمن التغيير معاني المصطلحات ذاتها، وربما يفسر ذلك الجدل حول تسمية ملائمة لما جرى في العالم العربي خلال السنوات الثلاث الماضية؛ هل هو ثورة، أم انتفاضة، أم حراك شعبي، حتى استقر الأمر في أغلبه على مصطلح “الربيع العربي”، وهو مصطلح بلا شخصية ولا مضمون ولا اتجاه، وربما كان ذلك هو السبب في جاذبيته.
• وهكذا، وبذات المنطق يتم التعامل مع مصطلحات الثورة والانقلاب والديمقراطية، وربما حتى حقوق الإنسان. تتعقد حين يتم توظيفها خلال الاحتقان السياسي، فتضيع الصورة والمعنى، ويصبح الاستخدام ذاتياً أكثر منه موضوعياً.
• وقد ساهم انتهاء حقبة الحرب الباردة، في استحداث مصطلحات جديدة، أو لم تكن موجودة سابقاً، أو تم تبييضها، وتدعيمها، لتخدم التطور التاريخي الذي شهدته البشرية، فمصطلح مثل العدالة الانتقالية، أو الإفلات من العقاب، أو العدالة الجنائية الدولية، أو التدخل العسكري الإنساني، أو الانقلاب العسكري/ المدني، أو الربيع البرتقالي، أو الثورات الملونة بتعدد ألوان قوس قزح.
بل وجدنا الأميركان مثلاً يبدعون في خلق مصطلح “مقاتل معادٍ”، منتهكين بذلك مصطلحات ثابتة في القانون الدولي الإنساني، كي يبرروا لأنفسهم إيجاد معتقل غوانتنامو، وغير ذلك كثير.
• دخلت تلك المصطلحات وغيرها التاريخ المعاصر من أوسع أبوابه، وأغلب تلك المصطلحات ظهرت فقط خلال العقدين الفارطين فحسب، وبالتالي، فإن الفوضى الاصطلاحية التي نعيشها الآن هي نتاج طبيعي لنهاية القطبية الثنائية، وضياع المعايير التقليدية للحكم على المتغيرات السياسية التي تأسست منذ ما يزيد على خمسين عاماً، واليوم هي أكثر ضبابية. وعلينا أن نتحمل ذلك، فكيف مثلا أصبح الاتحاد الإفريقي يرفض الانقلابات العسكرية؟ أوليس هذا جزءاً من تطور طبيعي للتحولات الدولية؟ وللعلم فقد حكمت ذات الرؤية منظمة الدول الأميركية منذ 1945، أي أن أي دولة في أميركا اللاتينية يحكمها انقلاب عسكري حينذاك يتم طردها من المنظمة، حتى بدأت الحرب الباردة، وتبنت أميركا العديد من الانقلابات، فسقط المبدأ وسقط القياس، أما الآن فقد اختلفت الأمور، وهي في طريقها إلى مزيد من الضغوط على الانقلاب العسكري التقليدي.
وللحديث بقية
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق