ما في شك بأن النائب مرزوق الغانم يملك قدرة مميزة في اقتناص الفرص مع نزعة التشخيص للنسب المطلوبة لتحقيق النجاح، ويتمتع بمعرفة المعايير الضرورية التي تدعم مسيرته المستقبلية.
فلم يترشح في الدائرة الثانية إلا بعد تمحيص في فرص الفوز وبعد قراءة متأنية لخريطة الوضع فيها وبعد تحليل لإفرازات الصوت الواحد الذي كانت له تحفظات عليه، وانتظر مظهرا الصبر، لما قد تقوله المحكمة الدستورية بشأن هذا الصوت الواحد الذي لديه مناصرون كما له من شدة الخصوم ما أجج المجتمع الكويتي في حوارات تقدح في الصوت المحدود، وتستهجن فرصه في النجاح.
وأظهر الرئيس الحالي لمجلس الأمة فضيلة التأني مع ضبط ايقاع المفردات التي يطلقها في التعليقات بحيث لا تؤذي فرص المستقبل ولا تغلق أبواب الاحتمالات.
وعندما أعلنت المحكمة القول في دستورية الصوت الواحد، انخرط الطامح مرزوق الغانم في ترتيبات الترشيح، بعد ان تحصن بالقانونية الدستورية، واطمأن على تقبل المزاج الشعبي لرأي المحكمة.
وبدأت جماهيريته تطفو على المشهد الانتخابي بشكل لم أكن أتوقعه شخصيا، ولم أتوقع الأعداد الهائلة التي تخرج من مقره الانتخابي، وأتذكر بأنني فوجئت بالحشود الخارجة من مقره في الضاحية بعد انتهاء لقاء له مع نساء المنطقة، وقيل بأنها لصالح المرشح مرزوق الغانم، وظهر فيها حسن التنظيم ومهارة تجنيد المؤازرين.
ولم يسرف في حدة النقد خلال مداخلاته مع الناخبين، واختار نهجا هادئا مبتعدا عن المبالغات في مفردات التجريح ولم يعمل لاستحضار المظلومية التي كانت تتسلح بها مجموعة المعارضة من مدارس البراك والطبطبائي، ودخل في حوار مع عقلانية الناخبين لاعبا دور الحريص على التجديد والتطوير مع ترسيخ الثوابت الدستورية التي تشكل قاعدة الاستقرار السياسي والاجتماعي الكويتي، دون الاستعراضيات في الطموحات حول التبديل والتغيير في بنود الدستور.
ولا جدال بأنه أظهر كفاءة ملفتة للنظر في الادارة الانتخابية الناجحة، حاملا بالاضافة إلى موهبة الاقناع، اعتدال الطرح، مدعمة بشيء من الحيوية الشبابية والجاذبية السياسية التي تعزز مكانته كسياسي واعد.
وبصراحة لم أكن أتوقع ترشحه لمنصب الرئاسة، فأنا مع الآخرين الذين يرون بأن مرزوق يملك موعدا مع المستقبل، وليس من ضرورات الحاضر ان يرمي نفسه بمغامرة المنافسة في الفصل الحاضر، لكنه، مرة أخرى له حسابات زينت له امكانات النجاح، وأهم ما فيها، تصويت الوزراء وفق قناعاتهم وليس وفق القاعدة التضامنية، وهنا تفتحت له الأبواب فجاء إلى فرصته من الباب المفتوح في منافسة مرتفعة، ولم يهبط من براشوت المناورات السياسية وتفاهم الصفقات.
نحن الآن مع رئيس جديد، شاب متسم بالحيوية النشطة، ويملك ذهنية واضحة وراسمة لخطة العمل مع طموح يبشر بانجازات بحجم الهمة ووفق التوقعات وهنا بودي تدوين بعض الملاحظات التي قد تساعد في ابعاد معوقات النجاح:
أولا – من قراءة سلوكيات الرؤساء السابقين، يستطيع الرئيس مرزوق الغانم، ان يقف عند بعض الحقائق التي تشكل عونا له، فالجيل السابق أدرك ثقل العبء على الرئاسة في الحفاظ على استمرار المجلس، وهذه المهمة التي كانت شاقة على الآخرين في السابق مع استمرار ممارسة الحل غير الدستوري للمجلس، أخذت في الانحسار بسبب التحولات المحلية والعالمية، لكن تبقى المسؤولية الحالية هي سلامة البرلمان وصون هيبته ليس من الغارات التقليدية في حله وانما من تسلل ضجر الرأي العام من عقمه وطفوليته وانحدار مفرداته وعدم لياقة أعضائه.
فالمسؤولية الرئاسية هي الحفاظ على ثقة الناس بالمجلس وبمداولاته وقدرته على تنفيذ خطة التنمية الشاملة التي يريدها الرأي العام.
كيف يؤسس الرئيس والأعضاء لبناء الثقة مجددا بالمجلس مع ابعاد ضجر الناس منه؟ هذا استفسار دائم لكل رئيس.
ثانيا – يعلم الرئيس كما علم السابقون، بأن العلاقة مع الحكومة هي علاقة شراكة قائمة على التفاهم تتميز بالتعاون والمودة بين الطرفين وليس فيها احلال أو تدوير، وتثمر هذه العلاقة مع الارتياح المتبادل، وتخبو اذا ما طغت العدائية، وتنحسر اذا ما تكاثرت المكائد والكمائن.
وحياد الرئاسة يتواجد في مواقع الادارة فقط، وليس في المواقف التي يجب على الرئاسة ان تتخذها لصون الدستور، ومعنى ذلك ان يتخذ الرئيس المبادرات لازالة التوتر، ويبعد الفتيل ويلتزم بحقائق الدستور بأن القصد من الاعتراض النيابي هو الارتقاء بالعمل وتحصين التزام الدولة بالقانون والتمسك بمبادئ الدستور، وهي الشراكة التنفيذية التشريعية.
وهنا يبرز دوره في تطويق الاندفاع نحو الاستجوابات التي وفق الدستور تتيح لنائب واحد ان يسحب العلاقات بين الطرفين إلى توترات ومواجهات، لهذا فمن المسؤوليات الكبرى للرئيس ان يدفع نحو تأمين الألفة للابقاء على مسار الهدوء للانصراف نحو التنمية.
ثالثا – ولكي يتمكن الرئيس من تصويب التوجهات الاندفاعية، لابد ان يسيج نفسه بمجموعة يمكن ان نطلق عليهم أصدقاء الرئيس الذين يساندونه في جهده للتهدئة، وينتصرون له عند التصويت لاسيما في الجوانب الاجرائية، ويتبرعون بدور الحماية لصد المواجهات بين مختلف الأعضاء وبين الرئيس.
ففي التجارب البرلمانية التي لا تقوم على مساندات حزبية، لا مفر من قاعدة متفهمة وواعية تقف مع عقلانية الرئيس وتقيه من سهام المعترضين الذين لهم أجندات شخصية.
وعلى فكرة، من تجربتي الشخصية في الأمم المتحدة، كنا نطرح هذه الصيغة في الجمعية العامة ولجانها عندما تعترض بعض المجموعات على خطوات الرئيس، فنتدخل لتحجيم مواقف المعترضين.
رابعا – يبقى تداخل السياسة مع التجارة، وتزاوج المال مع النفوذ بندا يشد الانظار نحو أساليب الرئيس في مقاومة اغراء التزاوج التاريخي المعهود ودور السطوة في بث الفساد وتلويث الذمم، ولن يغيب عن بال الرئيس بأن التعليقات حول التشابك بين الثروة والسياسة اتسعت في اللحظة التي جاء اسمه يلعلع كرئيس للبرلمان.
وقد سمعت الكثير من الذين تأسس التشاؤم في ذاتيتهم متصورين بأن الرئيس هو المعرس الذي جاء بزفة الزواج بين السلطة والسطوة وسط أنظار بعض المهنئين الذين يحلمون بثمار هذا الزفاف.
خامسا – وتبقى أهم دوائر المسؤوليات الرئاسية هي الحصول على ثقة أهل الحكم والاطمئنان على تأدية الواجب بمسؤولية ونضج وتأكيد الواقع البارز بأن التعاون القائم على الألفة في النوايا وحسن السلوك والثقة المقنعة من ضرورات النجاح ومن متطلبات استمرارية التجربة ورسوخ الحياة البرلمانية.
ولعل الرئيس مرزوق الغانم يأخذ العبرة من سابقيه، فالأغلبية منها استطاعت نحت اسمائها في تراث المجلس لبقائها فوق الخلافات وتعاليها عن صداع الرأس، وكانت الملاحظات على رئاسة أحمد السعدون على الرغم من جودة تجربته، الا أنه يتصرف أحيانا كزعيم للمعارضة بنزوله إلى القاعة في مداخلات ناقدة وساخنة، متجاوزا القنوات المرحبة والمفتوحة للرئيس مع المقام السامي ومع أصحاب القرار في السلطة التنفيذية، تجارب السابقين هي كتاب مفتوح للحريص على قراءة العبر والاستناد عليها.
وأخيراً، لعلنا نعيد التذكير بأن تجربة الكويت في جوهرها ليست اسقاط حكومات ولا استبدالها لأن شروط تحقيق رفاه الكويت ورقيها وارتفاعها تقطن في متانة تحالف المصير والمنافع بين الحكومة والبرلمان كسلطتين تشكلان صخرة الثوابت في حياة الكويت، وغير ذلك صداع وفوضى وتناحر.
وتحياتنا للرئيس في زمنه الجديد على الكرسي الساخن..
???
شاءت الظروف أن أتوقف عن الكتابة لثلاثة أسابيع لمتطلبات عائلية خاصة تأخذني إلى خارج الكويت.. وإلى اللقاء.
عبدالله بشارة
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق