محمد المقاطع: دفاعاً عن حقوقنا الدستورية ودولة المؤسسات

إن منطق الدفاع عن حقوق الشعب ومكتسباته الدستورية، والايمان بدولة المؤسسات لا يجوز أن يكون هدفه المواجهة السياسية مع السلطة القضائية، وهو ما تضمنه بيان بعض النواب (نصه ص8) اذ انه يدعو لتجاوز الدولة القانونية بمنطق كما أراه بعيدا عن الحجج القانونية ومنطقها ومبادئها، وصولا لنتيجة عدم الانصياع لأحكام القضاء النافذة في مواجهة الكافة، كما يعبر عن ذلك الدستور في المادة 173 منه، وحتى ألتزم منطق الحوار القانوني الصرف فإنني سأتناول ما ورد فيه مفندا له حجة بحجة لتتكامل جهودنا من أجل حماية دولة القانون والمؤسسات الدستورية بحق وشفافية كاملين:

1 – بداية أنوه على تأكيدي لكل معاني التقدير والاحترام والمودة التي أكنها للموقعين على البيان على المستوى الشخصي، ومنهم من تجمعني معهم العديد من وشائج التعاون واللقاء والحوار والعمل المشترك، وهذا لا يمنع أن أقول لهم لقد تنكبتم طريق الصواب ببيانكم وموقفكم، ولي سبب وحيد في مخاطبتكم ردا على بيانكم هو خطابكم لي كمواطن ودعوتي لحماية حقوقي ومكتسباتي، ومما يزيد مسؤوليتي هو كوني من أهل العلم والاختصاص في ما يتم الجدل بشأنه والاعتراض عليه.

2 – إن انعقاد الخصومة قانونا يصح إن كان فيه مدع ومدعى عليهم أساسيون، ولا تتطلب سلامة انعقاد الخصومة إدخال كل شخص يحتمل أن يستفيد أو يسري الحكم في مواجهته، فضلا عن أن الدعوى في القانون العام حينما تتصل ببطلان قانون أو قرار أو إجراء تتصف بكونها دعوى عينية توجه للقاعدة أو للقرار وتتجرد عن الأشخاص، كما هو الشأن في طلب إلغاء قرار لائحي يمس عددا من الأشخاص، ولا حاجة لإدخالهم وهو مناط الدعوى العينية في نطاق القانون العام سواء في ذلك الدعوى بعدم دستورية قانون او لائحة التي تختص بها المحكمة الدستورية أو دعوى الغاء القرارات الإدارية التي يختص بها القضاء الاداري. ونتيجة لذلك فإن الحكم الصادر فيها يتمتع بحجية مطلقة تسري على الكافة، سواء في ذلك الأشخاص الذين كانوا اطرافا في الدعوى أم الغير الذين لم يكونوا أطرافا في الدعوى، عملا بمبدأ الحجية المطلقة التي تتمتع بها الأحكام الصادرة في الدعاوى ذات الطابع الموضوعي أو العيني، كما هو الشأن في طلب الحكم ببطلان الانتخابات التي فصلت فيها المحكمة، وهي لا تتطلب بالضرورة إدخال جميع أعضاء مجلس الأمة، كما يسري أثر الحكم على جميع اعضاء المجلس تطبيقا لأثر الحكم الذي يسري على الكافة، علما بأن الدعوى رفعت ضد الأعضاء العشرة الناجحين في الدائرة الثالثة، حضر منهم ثلاثة فقط، كما اختصم فيها رئيس مجلس الأمة بصفته وحضر من يمثله وقدم دفاعه، ما يعني انعقاد الخصومة كاملة.

3 – إن المحكمة الدستورية، وهي تقرر بطلان انتخابات مجلس الأمة بتاريخ 2/ 2/ 2012 مارست اختصاصا أصيلا لها في نطاق ولايتها بالفصل في سلامة العملية الانتخابية بنظر الطعون الانتخابية التي تقدم إليها عملا بقانون إنشائها رقم 14 لسنة 1973، وهو ما سبق للمحكمة النهوض به وتقرير العديد من المبادئ بشأنها، من بينها جواز الحكم ببطلان العملية الانتخابية كاملة، وهي لم تتجاوز نطاق اختصاصها ولم تباشر أي إجراء محجوز للسلطة التنفيذية وهو الحل، بل قررت البطلان للانتخابات وهو عمل قضائي يترتب على اثره عدم وجود المجلس من لحظة انتخابه، وهو يختلف عن الحل طبيعة واختصاصا وأثرا.

4 – أما بشأن تلقي المحكمة لاختصاصها بالطعون من المادة 95 من الدستور وأنها لا تملك أكثر مما يملكه مجلس الأمة فهو غير دقيق، إذ ان القضاء وهو يمارس اختصاص الفصل في الطعون فانه يتمتع باختصاص مجلس الأمة واختصاصه الأساسي المستمد من طبيعته القضائية، ولذا لا يملك مجلس الأمة حين يتولى الفصل في الطعون ما هو قاصر على السلطة القضائية، مثل مراجعة المراسيم الصادرة بحل المجلس او بتشكيل الوزارة وإلغائها، فهذا خلط في الفهم كنت أتمنى ألا يقع فيه الأعضاء الموقعون على البيان، علما بأن المجلس يمكن أن يعلن بطلان انتخابه إن وصل لقناعة بذلك، حينما يباشر نظر الطعون لو أسندت اليه وهو ما قامت به بشكل صائب المحكمة الدستورية.

5 – أما القول إن تشكيل المحكمة الدستورية التي أصدرت الحكم الأخير يعد باطلا وبما يؤدي إلى انعدام جميع أحكامها، لأسباب عدة من أهمها مخالفة التشكيل لموجبات قانون إنشاء المحكمة الدستورية في أكثر من موضع، فهو قول رغم أنه مرسل، فهو غير صحيح لدى كل من كتب في الدستور الكويتي ولا يترتب عليه انعدام الأحكام بأي وجه من الوجوه.

6 – أما القول ان المحكمة الدستورية ممنوعة من نظر أي إجراء سابق على العملية الانتخابية، وقد استقر قضاؤها على هذا الأمر في جميع أحكامها منذ تأسيسها، إلا انها تبنت اتجاها مغايرا ومناقضا في الحكم الأخير وبما يهدر اليقين القانوني ويحيل الأمر إلى فوضى. فهو قول غير صحيح فالمحكمة مستقرة على مراقبة أي عيب سابق أو متزامن مع العملية الانتخابية قد يؤدي إلى إهدارها بالكامل، وهو ما تردده بأحكامها باستمرار، وخصوصا الإجراء وثيق الصلة بالعملية الانتخابية مثل مرسوم الدعوة للانتخابات المتصل بمرسوم الحل.

وخلاصة لما تقدم يتبين أن حجج هذا البيان غير متفقة مع منطق القانون، ومن ثم فإن ما قامت به المحكمة هو من صلب اختصاصها وحكمها صحيح ونافذ في مواجهة الكافة، وأما الموقف السياسي الصرف فهو راجع لمصدري البيان لكنه بالتأكيد بعيد عن المنطق القانوني وحججه، أما الجدل والنقد فهو جائز لكنه يختلف عن عرقلة تنفيذ الحكم القضائي النافذ.

اللهم اني بلغت،

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.