بالصدفة وخلال شهرين، احتجنا إلى سائق، ولأننا في حاجة ماسة وسريعة تنازل عنه لنا كفيله بكل سلاسة وهدوء مقابل مبلغ من المال، رغم أنه عمل عنده سنة ونصف السنة، أي انه استهلك المبلغ الذي دفعه لإحضاره، وبعد انتهاء إجراءات التحويل اكتشفنا أن السائق لا يملك بطاقة مدنية، وأنه كان يقود السيارة طوال السنة ونصف السنة التي قضاها مع الكفيل السابق برخصة قيادة هندية من دون، أيضاً، ضمان صحي، فقمنا صاغرين بعمل كل الإجراءات واستخراج الضمان الصحي وخضع لامتحان القيادة ثلاث مرات، لأن قبضة اللواء عبدالفتاح كانت في أشدها آنذاك، وقبلنا ذلك واستمررنا بالمحاولات التزاماً بالقانون إلى أن نجح من وجهة نظرهم أخيراً.
إن هذا السائق المسكين كان يقود السيارة دون رخصة قيادة كويتية طوال سنة ونصف السنة وكفيله بجانبه، ولو اكتشف الموضوع لأي سبب كان بالطبع سيُزَج بهذا السائق المسكين إلى السجن، لأنه لا يعرف قوانين الدولة وقد يتم ترحيله فوراً، وكفيله يأكل وينام تحت براد التكييف، ثم قد يضطر الكفيل إلى دفع غرامة بسيطة أو إلغائها بالواسطة.
وبالصدفة تم البدء في إجراءات التنازل عن عاملة فلبينية لإحدى الأسر التي أعرفها واتضح أنها لم تخضع، أيضاً، للفحص الطبي ولا تملك ضمانا صحياً، رغم أنها، أيضاً، عملت لمدة سنة ونصف السنة عند الكفيل الأول، وقد دُفِع للكفيل القديم مبلغ كبير يماثل ما تبتلعه مكاتب الخدم، فمثل هؤلاء يجدون في الموضوع تجارة مربحة.
أين متابعة «الداخلية» لمن دخل الكويت تحت اسم كفيله ولم يخضع للفحص الطبي ولم تستكمل أوراقه، أو لم يتم استخراج الضمان الصحي له بعد ستة أشهر على الأقل؟ كيف يترك هؤلاء المساكين تحت رحمة من لا يحترم القانون أو من يتجاهله من الكفلاء؟ وفي النهاية، يعاقب الوافد أو العامل لخطأ اقترفه الكفيل، فيزج به في سجن طلحة البائس تمهيداً لترحيله، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى وقفة جادة من السلطة للوقوف على الحالات اللإنسانية التي يعيشها من حشروا في هذا السجن دون أدنى حقوق طبيعية.
بحت أصواتنا وستجف أقلامنا ونحن نكتب ونتكلم عن الرؤوس الكبيرة التي تقذف بالبشر في شوارعنا وتتركهم لظلم الحياة وبؤسها يتسولون ويقترفون الجرائم ويخرقون القانون مقابل أن يوفروا لهوامير الإقامات المال الذي دفع لهم مقابل أن يصلوا إلى أرض الجنة التي حلموا بها.
هل يعقل أنه لم يُكتَشف هامور إقامات واحد؟ مر وزراء وراء وزراء وآخر الوزراء الوزيرة ذكرى الرشيدي، ولم نسمع شيئاً منهم كلهم يطفئ لهيب الحنق والغضب الذي يحرقنا كلنا عندما نرى الإنسانية تدهس في وجوه من استغل ضعفهم وحاجتهم للقدوم إلى الكويت للعمل وإطعام الأفواه المفتوحة التي تنتظر وراء البحار والمحيطات.
إذا تجاوز الكفيل القانون ولم يوفر للوافد العامل أو الخادم كل ما يستكمل إقامته وعمله بشكل قانوني مائة في المائة، فالكفيل هو من يستحق السجن لا هؤلاء المساكين الغلابة، وكفانا متاجرة بهم، وكفانا استهزاء بإنسانيتهم، وكفانا استخفافاً بقوانين لا تتابعها الجهة المسؤولة عنها.
هل نحتاج إلى أن نكون في مكان هؤلاء المساكين نعيش حياتهم ونقلق بقلقهم، ونحتاج باحتياجهم وننذل بذلهم، حتى نشعر بما يشعرون ونقدر حاجتهم للعمل بعيدين عن أسرهم وأطفالهم، وأراضيهم؟ هل هذا ما يفيقنا فقط؟ في 2 أغسطس 1990، فقدنا كل شيء: المال والأهل والعزوة والوطن والدولة، وعادت لنا إنسانيتنا سبعة أشهر، وعادة الحكومة بعد التحرير فذهبت الإنسانية ولم تعد.
إقبال الأحمد
Iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق