فاطمة حسين: هذرة نافعة

ما كذب من قال (خير صديق في الأنام كتاب) لكن الصداقة لا تأتي الا بعد مرحلتين هما التعرف والمعرفة، الاولى سطحية والثانية في الاعماق وهذا ما تعطينا اياه (الصحافة) ولذا هي تسبق الكتاب الى احضاننا.
لقد كسرت الصحافة (دفتي الكتاب) واخترقت (الرصانة) بحقه القول وشجاعة التغلغل عبر نسيج المجتمع بكل اطيافه وألوانه ومستوياته لتعرض اكتشافاتها امام السمع والبصر بالاضافة الى طرح الرؤى الخاصة بالصحافي وجديده الجاذب للقارئ للتفكر فيه وهي تقول للكتاب – بنشوة – (لكم دينكم ولي دين).
هكذا استقبل الناس المطبوعات الصحافية بابتهاج حتى تشكلت لها لغة خاصة اسموها (لغة الصحافة) رغم اضطرارها في البدء للظهور بهيئة الكتاب والالتصاق بالحداثة فمن سنوية الى فصلية الى شهرية الى اسبوعية الى يومية وصولا الى صباحية ومسائية، حتى قربت أو كادت من البالونات الملونة نستمتع – نحن القراء – بانفجاراتها اللذيذة واصبحت تلك حديث كل تجمع صباحي أو مسائي حول فناجين القهوة أو استكانات الشاي وفي المواقع الخاصة والعامة.
ولكنها ورغم سهولة هضمها الا انها (الصحيفة) وحتى اليومية منها لا يمكن ان تتنكر (للرزانة) واظن ان كل من وصل للعمر الذي وصلت اليه لابد وان يعطي لتلك الرزانة حقها من الاهتمام وهذا ما يجعل الصحيفة اليومية تبقى بين ايدينا الاربع والعشرين ساعة بدلا من تلك الاطلالة على المناشيتات ثم الحذف جانبا.
وهذه نماذج من الرزانة التي اشرت اليها:
-1 لعل ابسطها ما كتبته الشاعرة والناقدة مريم فضل (الراي 2013/8/18) عن تجوالها في احدى المكتبات باتجاه هواها من رفوف الشعر والرواية فتسمع صوتا من خلفها يعرض عليها خدمته – البائع – فتسأله عن دواوين د.سعاد الصباح فيرد متسائلا (أهي التي قالت: يقولون ان الكتابة إثم عظيم فلا تكتبي؟؟) فوجدت نفسها تكمل له القصيدة وبنشوة تقول لنفسها (كم آمنت ان الشعر الجاد والمميز يحفظه البسطاء) فشعرت بنفسها تغوص في ممارسة الشاعرة لأدواتها المختلفة بلغة شعرية مبدعة وتغوص معها.
-2 وهذا شاعر عملاق من البحرين (قاسم حداد) يحصل على فرصة استثنائية للاقامة لمدة سنوات خمس في بيت المفكر الالماني الشهير(هاينريش بول) (1917 – 1985) والحائز على نوبل للسلام حصل عليها كمنحة له ولزوجته الشاعرة (موزة الشملان) من اجل التفرغ للابداع في جو ثقافي راقٍ وبصحبة فكر عالمي انفتح عليه وفتحهم هو على ذاته ليعود بعد ذلك الى وطنه (البحرين) لا مجرد شاعر عادي ولكن كمؤسسة ثقافية ومدرسة لها صفات عالمية في مجال العطاء والابداع والتجليات التي فاقت العادية بمراحل. (الكويتية الخميس 2013/8/8 عن الايام البحرينية) صفحة تستحق الغوص فيها بمتعة لا تضاهى تبرز جاذبية اختلاف البيئة في ذهنية شاعر كبير يعتبر كل خطوة واحدة خارج بيته قراراً «متهوراً» ويسمي بيته وعائلته (مكانه الكوني) ويرى ان الزنزانة في الوطن افضل من جنة الغربة.
-3 الشاعر العراقي محمد مظلوم (الجريدة 2013/8/16) رجل غيب الموت زوجته (فاطمة) وفي احشائها طفلان فاستقبل عميق حزنه بإصداره (كتاب فاطمة) لكنه ما شعر بأنه قد ارتوى بعد عطش الحزن الذي كاد يقتله كل لحظة فقرر ان يجمع كل ما جاد به الادب من رثاء الزوجات وكانت الحصيلة 180 قصيدة من الزمن السومري وصولا الى قصيدة النثر.
تستضيفه جريدة الكويتية وتسأله عن تلك الحقبة المرّة في حياته وتحصل على الاجابة.
هذه النماذج هي ما اطلق عليها (الرزانة) بعضهم يسميها الثقافة أو الأدب لكنني اشعر ان الصحافة اليومية مهما خفت وتطايرت مع الاحداث والاضواء والاصوات الا ان بعضا من الرزانة مطلوب من أ جل الهدوء النفسي.

فاطمة حسين
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.