صلاح الساير: تاريخ الطحن العربي

مع انطلاق الحرب الباردة بين القطبين الروسي والأميركي على اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، والعرب واقعون بين فكي رحى قوتين داخليتين هما الأقدر على التنظيم وروح القتال لا السجال.

قوتان تتميزان بالانضباط والالتزام بالتراتبية في داخل صفوفهما، واحدة تستقوي بحماية الأرض والأخرى تتمترس في السماء.

وقد لعبت هاتان القوتان الدور الأبرز في الأحداث المفصلية في تاريخنا المعاصر.
القوة الأولى هي «العسكرتاريا» الواقعة تحت سيطرة البعثيين أو الناصريين أو القوميين بمختلف شعاراتهم، والقوة الثانية «السيادينية» المتمثلة في التيار السياسي الديني بتعدد واجهاته المتفرعة أو المتأثرة بجماعة الإخوان المسلمين.

وهكذا عاش العرب تتقاذفهم الثكنات والمقرات الحزبية والمساجد والأوكار والبيانات العسكرية والخطب الدينية بعد أن اختفت الحياة المدنية وضمرت مساحات المجتمع المدني الفاعل الحي. وعاش الإنسان العربي مذعورا تحت هاجس الذهاب إلى السجن أو الذهاب إلى جهنم.

منذ حادثة «المنشية» التي حاول فيها الإخوان اغتيال عبدالناصر ثم بعد ذلك إعدام سيد قطب والحرب سجال بين القوتين، تارة تبرز بشكلها «السني» في مذابح حماة في سورية، وتارة بوجهها «الشيعي» في المواجهات بين صدام وحزب الدعوة في العراق، ناهيك عن حرب «العشرية السوداء» بين الجيش الجزائري والجبهة الإسلامية للإنقاذ وانتهاء بما يجري اليوم في عدد من ساحات العرب والرحى تعمل بلا توقف.

ما أقوى الإنسان العربي الذي استطاع أن يحتمل كل هذا الطحن طيلة كل تلك السنوات!

www.salahsayer.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.