إبراهيم العوضي: وضع استثنائي

وضع استثنائي وظروف استثنائية في ظل أحداث استثنائية بعد صدور حكم المحكمة الدستورية جعل الدولة تعيش حالة استثنائية لم يسبق لها مثيل، إلا أن مقالي اليوم ليس استثنائي فما سنذكره اليوم سبق أن أشرنا إليه مرارا وتكرارا.
بادئ ذي بدء، كان الجميع يعلم بأن كثيرا من الشبهات الدستورية قد شابت الحل السابق وأشار إليه أكثر من خبير دستوري منهم على سبيل المثال لا للحصر د. محمد الفيلي و د. محمد المقاطع ود.عادل الطبطبائي، لذلك لم يكن قرار المحكمة الدستورية مفاجئا بل تنبأ به البعض نظرا لإيمانهم بخطأ تبعات الحل وحذروا مرارا من أن هذه الإجراءات ستدخل البلد في دوامة الخروج منها صعب وعسير.
كما أن حكم المحكمة قد أكد بما لا يدعو للشك بضرورة إعادة النظر بوضع مستشاري الدولة ودورهم، فقد أوضحت الأحداث سوء إدارتهم وكشفت القضايا المصيرية والتي كان آخرها قضية الداو كيمكالز بأنهم سبب الأزمات المتتالية وبينت ضعفهم في استقراء سلامة الإجراءات الواجب اتباعها في أي قضية. كما أنه من المؤلم حقا وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً من التجربة الديموقراطية وبعد أن تم حل المجلس في السنوات الماضية أكثر من مرة أن تعجز الحكومة عن إصدار مرسوم الحل بالطريقة الصحيحة التي تبعد من خلالها البلد عن الدخول في هذا النفق المظلم. إن الخاسر الأول في كل قضية هو المواطن وحده لأن المسؤول في بلدنا لا يحاسب، والأدهى والأمر من ذلك بأن إبطال قرار الحل قد جاء باسم صاحب السمو وإن كان متخذ القرار لا يعي مكانة سموه وأهميتها فإننا لا نقبل بأن تمس لا من قريب ولا من بعيد، وما يحصل أن كل مشكلة تمر مرور الكرام ويكافأ مُسببها بالبقاء في منصبه مده أطول، لذلك لا عجب إن واجهتنا مشاكل وهفوات أخرى مصيرية طالما كان الرادع غائباً.
ومن ناحية أخرى، فمن آمن بنظرية المؤامرة في سوء الإجراءات التي واكبت حل مجلس 2009 وأن هناك أيادٍ خفية خططت لهذه الفكرة حتى نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم فهو مخطئ بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، لأنه باعتقادي الشخصي بأن حكومات الدولة ومنذ زمن ليس بالقريب لا تملك لا القدرة ولا الشجاعة ولا الذكاء اللازم للتخطيط واتخاذ القرارات الصحيحة أو إذا كنا أكثر وضوحا قرارات ماكرة حيث أنها حكومات لا تعدو بأن نطلق عليها حكومات تصريف العاجل من الأمور لا تستطيع أن تحاكي الواقع وأن تستقرئ الأمور بطرقها الصحيحة.
أضف إلى ذلك فإن الحكومة لم تعِ الدرس مجددا، فكلما زادت أخطاءها وكثرت عيوبها وطغت هفواتها وانكشفت زلاتها وسوء إدارتها، ازداد حجم المطالب النيابية والشعبية المشروعة في زيادة المشاركة الشعبية، وليست المطالب برئيس وزراء شعبي وحكومة منتخبة وإصلاحات سياسية واسعة النطاق إلا خير دليل على ذلك بعد أن سئم الجميع من حال البلد فلا مشاريع تنجز ولا خطط تنفذ ولا رؤية واضحة تحدد ولا نهج سليما يطبق، فالكل يسير على بركة الله وحفظه.
ختاما، لقد آلمنا ما ذهب إليه البعض من الطعن في حكم المحكمة الدستورية التي تعتبر أعلى هيئة قضائية بأرفع تشكيل قضائي، فانتقلوا من التحليل العلمي والقانوني للحكم إلى حد التشكيك والاستهزاء به، علما بأن الحكم جاء انتصاراً لدولة الدستور والمؤسسات، وزاد إيماننا بأننا نعيش في دولة ديموقراطية حيث أنه لم يصدر ضد شخص عادي أو ضد مؤسسة أو شركة أو هيئة بل جاء ليبطل مرسوما بحل مجلس الأمة. إن العودة لما قبل قرار المحكمة الدستورية لم يعد بالإمكان فقراراتها غير قابله للطعن وكل ما نرجوه من كتلة الغالبية احترام القسم باحترام الدستور الذي يعتبر في تطبيق القانون والالتزام به ضرورة قصوى حتى لا نعيش مرحلة جديدة ترهق كاهل الدولة وتعيق الانجاز والتطلعات التي طال أمد انتطارها.

Email: boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.