محمود حربي: عبدالمحسن الدويسان.. الذي لا تعرفون

غيّب الموت العم عبدالمحسن الدويسان (أبو طارق) إحدى العلامات البارزة في مسيرة الكويت السياسية في عصرها الحديث.

ربما يستغرب البعض، خصوصاً من الشباب، فالراحل الكريم كان بعيداً عن الإعلام تماماً، رغم أن له دوراً بارزاً في مسيرة النضال الوطني في الكويت، من خلال حركة القوميين العرب والتجمع الوطني برئاسة العم جاسم القطامي، شفاه الله.

كان الفقيد عقلية سياسية بارزة، ومفكراً مهموماً بتحقيق أماني الكويتيين في مشاركة شعبية واضحة المعالم، وإرساء قواعد الديموقراطية.

وعندما يكتب تاريخ الكويت الحديث ومسيرتها الديموقراطية بدقة، لا بد أن يكون اسم عبدالمحسن الدويسان في الصدارة. فقد قدّم الرجل عصارة فكره وخلاصة تجاربه السياسية لخدمة مسيرة الكويت الديموقراطية، وكان عضواً فاعلاً «خارج الملعب» في مناقشات المجلس التأسيسي من خلال اللجنة التي شكلت لهذا الغرض.

وربما لا تسعفني الذاكرة للكتابة عن هذا الرجل، فقد كان مهموماً دائماً بالشأن العام. إذا حضرت ديوانيته مساء كل سبت، فلا تجد إلا النقاش السياسي وبكل صراحة. وعندما كان يزور ديوانيته المرحوم عبدالله زكريا الأنصاري كل ليلة، تراه حاملاً قصاصات الصحف والمقالات السياسية في الصحف العربية والمحلية، فقد كان يقضي معظم وقته يطالع الصحف من خلال الإنترنت.

الجانب الآخر والأكثر أهمية هو الدور البارز الذي لعبه في وزارة الخارجية في مرحلة التأسيس مع جاسم القطامي عندما كان مسؤولاً عن الشؤون المالية والإدارية، وكل من عمل في وزارة الخارجية في تلك الفترة وحتى تقاعده عن العمل يعرف مدى حرص ودقة وصلابة الفقيد في العمل، وعدم تهاونه في أي أمر.

ويكفي هنا أن أذكر حادثة رواها لي أحد سفراء الكويت السابقين، وهو حي يرزق، عندما قال لي «إن مصروفات الضيافة الخاصة بالسفير حدث بها تجاوز قدره 5 دنانير (خمسة دنانير فقط!) وبعدها وجدت خطاباً شديد اللهجة، يقول السفير، من الأخ عبدالمحسن الدويسان بضرورة تقديم المبررات التي أدت إلى التجاوز وضرورة عدم التكرار مستقبلاً (لاحظ خمسة دنانير فقط).

هذا مثال بسيط ليعرف الشباب من هو عبدالمحسن الدويسان.

بقي أمر آخر، إن الرجل قدّم دراسات مهمة وموثقة للكثير من القضايا السياسية والإقليمية، وحتى في السياسة الداخلية، وحاولت كثيراً إقناعه بنشر بعضها، لكنه كان يرفض بشدة رغم أهميتها.

لقد رحل عن عالمنا حيث النفاق والبغضاء والمشاحنات والخلافات الكثيرة في اللاقضية إلى الضفة الأخرى من النهر، حيث السكينة والهدوء عند مليك مقتدر.

رحمك الله يا أبي ويا صديقي ويا أخي عبدالمحسن الدويسان.

صدقني يا أبا طارق لا أعرف كيف أذهب إلى الشامية كل مساء ولا ألتقيك، لقد كنت محوراً مهماً في ديوانية الأنصاري، رغم أن صراحتك كانت تغضب الكثيرين، خصوصاً الشخصيات السياسية التي كانت تزورك، لكنها إرادة الله.

محمود حربي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.