من الاقوى? الدولة أم بضع عشرات او مئات يتجمعون في ساحة الارادة يطلقون العنان لزعيقهم? أليس في كثير من دول العالم يتظاهر الالاف وتبقى الحكومات على موقفها الذي تراه ومعها غالبية الشعب انه الصواب الذي يخدم مصالح الوطن العليا? مرات عدة تجمعوا في ساحة الارادة وكما يقول المثل”خير يا طير” ماذا فعلوا? ألم يؤد الرعب من صراخهم الى تعطيل مصالح الناس? الا يسأل الذين يرضخون للصراخ ان اولئك لا يمثلون كل الكويتيين, اوليس هناك غالبية كبيرة صامتة لا تتخذ من الزعيق لغة لتحقيق مطالبها, فلماذا لا تنظر الحكومة اليها?
ليس المهم صراخ من جعلوا الشارع مكانا لتحقيق مطالبهم, بل الاهم ان لا تنجرف القيادة خلف اصحاب الصوت العالي, لان هؤلاء مهما كان عددهم لا يمثلون كل الكويتيين, ولذلك يجب الا تجير لهم مصالح البلاد, فهل بما تسببوا به من خسائر للدولة عبر سعيهم الى تعطيل المشاريع الحيوية, بدءا من حقول الشمال, ومرورا بصفقة “داو” ووصولا الى محطة الزور وغيرها من المشاريع, بالاضافة الى تهديدهم للامن الاجتماعي من خلال سلسلة القوانين القمعية التي اقترحوها واقروا بعضها في المجلس الملغى, ومعها لجان التحقيق التي لا تعد ولا تحصى, كانوا يسعون الى تحقيق مصالح الكويت?
المشاريع التي عطلوها كان من المتوقع ان تعود بفائدة كبيرة على البلاد, علما ان تكلفتها لا تتعدى خمسة في المئة من مردودها الاستثماري, ورغم ذلك اخضعوا بارهابهم الحكومة وفرضوا عليها الانصياع لرغباتهم وتعطلت تلك المشاريع, بل بعضها كلف الكويت المليارات, أليست رغباتهم تدميرية, أكان في جانبها الديمقراطي أم المؤسساتي?
الذين يمارسون الارهاب بالصراخ وتحقيق الاجندات بالفوضى اثبتوا في مرات عديدة انهم ليسوا طلاب دولة مؤسسات, وآخر الادلة كان حين حاولوا ارعاب القضاء والزحف عليه لنزع استقلاليته حين حكم بالعدل ورفع سيف ظلمهم الذي اصلتوه على الكويت عبر المجلس الملغى, وللأسف هذه ليست المرة الاولى التي مارسوا فيها ارهابهم ضد القضاء بينما الدولة لم تحرك ساكنا لتحمي هذه السلطة المحافظة بقوة نزاهتها على استقلاليتها وهيبتها.
مرة اخرى نسأل: الى اين نحن ذاهبون, فهل باتت مسألة الانتخابات المبكرة وتشكيل حكومة جديدة كل بضعة اشهر هوايتنا بسبب ممارسة ميليشيا الابتزاز السياسي كل الافعال المنكرة التي من خلالها استطاعت تدجين الحكومة? الم يكن من المفترض ان تتصدى لها السلطة التنفيذية وليس التفاوض معها على عدد الوزراء الذين تريد ضمهم الى الحكومة? للاسف حدث هذا قبل يوم واحد من حكم المحكمة الدستورية التاريخي, بل ما يثير الأسى اكثر, انه بعد ساعات قليلة من صدور ذلك الحكم كان وزير الاعلام يحاول استرضاء جماعة الجعجعة عبر قوله ان الحكومة على موقفها من حل المجلس المنتخب في العام 2009, وهو ما رسم صورة سيئة عن الحكومة في اذهان الناس, وما يثير الغرابة اكثر انك عندما تسأل عن سبب الانصياع لتلك الجماعة يكون الجواب” انهم يصرخون ويثيرون ضجيجا في الشارع”, فهل ممارسة الحكومة سلطتها فضيحة تريد التستر عليها لذا تخشى الصوت العالي?
تلك الميليشيا استمرأت هذا الرضوخ فاخذت ترفع سقف تهديداتها, وباتت مطالبتها برئيس وزراء شعبي خبزا يوميا لها, بل انها عادت للتهديد برفع السقف اكثر فإلى اين تريد الوصول? لم يتبق لها الا المطالبة بكرسي الامارة, وربما غدا يقولون نريدا حاكما شعبيا, أليس آل الصباح الكرام من هذا الشعب أم انهم من كوكب اخر?!
لا بد من وضع الامور في نصابها الصحيح حتى يطمئن الكويتي الى امنه ومستقبله ومصيره ولا يبقى رهينة صراخ البعض.
يبقى املنا في القضاء الذي استطاع ان يعيد تلك الجماعة الى حجمها الطبيعي عندما خلصنا من براثنها بالغاء مجلس الامة الذي اغتصبته بالاكاذيب والتدليس, بالاضافة الى اعادته الهيبة لقوى الامن عندما برأ رجال الشرطة الذين عملوا على حماية وطنهم من التخريب.
ان اشد ما نحتاجه في هذه المرحلة التحرك بجدية قبل ان تقع الكارثة, لا ان ننتظرها تحل بنا وبعدها نبدأ في البحث عن الحل, فالكويتيون لم يعد بمقدورهم تحمل اي كارثة, وهذا ما يجب على الجميع ادراكه.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق