حامد الحمود: كم نفطاً سنحرق لتبريد بيوتنا؟

أكثر من أربعين سنة كانت قد مضت على اختراع جهاز التكييف، عندما أدخل أول جهاز للتكييف إلى الكويت عام 1946، وهي السنة التي تم فيها تصدير أول شحنة من النفط من الكويت، وكان جهاز التكييف هذا هدية من التاجر مراد بهبهاني إلى الشيخ أحمد الجابر. وأول جهاز تكييف اخترع في الولايات المتحدة عام 1902. لكن انتشار أجهزة التكييف لم تأخذ خطاً تدريجياً. ويمكن اعتبار أول الستينات من القرن الماضي البداية الحقيقية لانتشار أجهزة التكييف في الكويت. وانتشارها في بداية الستينات لم يكن بالكثافة لا في داخل الكويت ولا في البيت الواحد. فوجود جهاز التكييف في البيت لم يقضِ على «التبريد» بالنوم على أسطح المنازل إلا تدريجياً. واستخدامه في بدايات إدخاله كان مقصوراً على النوم ساعات القيلولة. لكن الوفرة المادية التي تراكمت نتيجة لارتفاعات متتالية في أسعار النفط أدت إلى تضخم إيرادات الدولة، وضخها من قبل الدولة إلى المواطنين والمقيمين عبر الرواتب العالية والمشاريع الضخمة، مع تأمين أسعار للكهرباء لم تتغير منذ عقود، حولت بيوتنا إلى واحات مغلقة نعيش فيها ربيعاً دائماً تحت شمس محرقة وفي درجات حرارة تبلغ الخمسين مئوية في الظل. بالطبع لا أحد ينكر نعمة هذه الراحة التي وفرتها لنا أجهزة التكييف وأدامت نعمتها أسعار الكهرباء الزهيدة. لكن إلى متى تستطيع الدولة أن توازن بين توفير أسعار الكهرباء بهذا الرخص، والمحافظة على إيرادات من تصدير النفط تضمن للدولة الصرف على العاملين لديها وإدامة الاستثمار في مشاريع جديدة وصيانة ما هو قائم. ويمكن طرح التساؤل بصورة أخرى: فإلى متى نستطيع الإسراف في استهلاك الكهرباء، الذي يذهب أكثر من %80 منه إلى تبريد منازلنا، وإلى تشغيل سياراتنا بهذا الوقود الزهيد؟

أهداني الصديق المهندس محمد الحساوي تقريراً أعده باحثون من «شاتام هاوس»، وهي منظمة بحثية لا تهدف للربح، بعنوان «حرق النفط لتبريد بيوتنا». هذا وإن كان التقرير اعتمد المملكة العربية السعودية كدراسة حالة في هذا الموضوع، لكن أغلب ما حذر منه التقرير ينطبق على الكويت. ولربما كان التقرير سيحذر أكثر، لأن أسعار الكهرباء في السعودية هي خمسة أضعاف سعرها في الكويت. وركز التقرير على إمكانية السعودية على تصدير النفط إذا دام نمط استهلاك النفط في توليد الطاقة الكهربائية، وتشغيل السيارات على وضعه الحالي. وحذر من أن تزايد الاستهلاك المحلي في السعودية لن يبقي برميلاً واحداً للتصدير بحلول عام 2038. ولا أعتقد ان السيناريو سيكون مختلفاً للكويت. فخطة التنمية في الكويت تشمل بناء محطات توليد طاقة جديدة لسد حاجة الكويت في ساعات الذروة في الصيف، وفي ظل نمط استهلاكي مسرف للطاقة. فالموضوع يقتصر على إرضاء نمط استهلاكي ضار مضحياً بمستقبل الكويت وبالخصوص مستقبل الأجيال القادمة.

إن الحرص على مستقبل أبنائنا يتطلب تطوير استراتيجية أو سياسة عامة للطاقة تدمج بين رؤى وزارة الكهرباء والماء ووزارة النفط كممثلين للحكومة ومجلس الأمة كمشرع للقوانين. كما أن العملية تحتاج إلى توعية تسبق ضرورة رفع تدريجي لأسعار الطاقة. فمن دون مراجعة أسعار الطاقة بشكل عام، تبقى مشاريع الطاقة البديلة، مشاريع تجميلية بحثية أكثر منها عملية أو تجارية. ففكرة رفع أسعار الطاقة يمكن أن تسوق شعبياً على أنها إدامة للسعادة. ومراجعة أسعار الطاقة مظهر لاهتمامنا بمستقبل أبنائنا. بل إنها ستكون دافعاً للإبداع في مجالات التوفير المختلفة ولتوليد الطاقة من مصادر مثل الشمس والرياح. وستشكل ضغوطاً على مهندسي البناء والمعماريين لتقديم تصاميم تستخدم عوازل أكثر كفاءة. وفراغات داخل المبنى أقل استهلاكاً للكهرباء لتبريدها. فالمهندسون بشكل عام، والمعماريون بشكل خاص، ومنذ اختراع أجهزة التكييف لم يأخذوا في الاعتبار التوفير في استهلاك الطاقة بالشكل الكافي. حتى ان أستاذ العمارة في جامعة واشنطن وفي حوار نشر مؤخراً في «النيويورك تايمز» حول استهلاك التكييف للطاقة، وصفهم بالكسل.

وفي الكويت بالذات، فإن مراجعة للأعلى لأسعار الطاقة، ستجعلنا نتقبل أكثر العيش في وحدات سكنية أصغر. أقل تكلفة في شرائها وتبريدها وتنظيفها. ولكن من سيسوق هذه الفكرة في ظل هذه اللامبالاة التي نعيشها؟

د. حامد الحمود

Hamed.alajlan@gmail.com

المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.