«رُبَّ ضارة نافعة»، هذا المثل الدارج قد يكون وجد له تطبيقاً واقعياً في الأيام الماضية، وتحديداً منذ يوم صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان عضوية من انتُخب في 2012/2/2، نظراً الى بطلان مرسوم الدعوة للانتخابات، وكذلك بطلان مرسوم حل مجلس الأمة، فالضارة كانت حالة الاستعجال بخصوص إجراءات حل مجلس 2009 قبل استكمال الخطوات القانونية السليمة، رغم تنبيهنا لها من أول يوم ولمرات عدة، فالإجراءات الخاطئة هي الضارة التي يبدو انها حققت نفعاً مهماً نلخصه في دروس مستفادة في ما يلي:
– من الخطأ ان تتخذ الحكومة أي قرار، وعلى الأخص، المصيري تحت وطأة الضغوط السياسية من أعضاء مجلس الأمة أو غيرهم من القوى الضاغطة ممن لهم مصلحة في مثل هذا القرار. لانه بعد ان ينكشف الخطأ كل يتبرأ منه ويحمل الحكومة وحدها مسؤوليته، ويا له من موقف لا تحسد عليه!
– التدافع السياسي الذي قاده أو انجرف اليه بعض أعضاء مجلس الأمة كان الحل للمجلس غايتهم بأي شكل وبأي إجراء، حتى لو كان مخالفاً للقانون، فالغاية تبرر الوسيلة، وهذه للأسف هي الحقيقة التي أوصلتنا الى ما نحن فيه الآن.
– هناك فئة من القانونيين تنجرف وراء الهوى أو ممن لا علم لهم أو ممن يفصلون آراءهم على الواقع يفتون في كل شيء، حتى في ما يجهلون ومن دون أمانة، وبلا أي مسؤولية وخلافاً للحقيقة، فهم بلاء على البلاد والعباد.
– ان المخالفة التي تتم للدستور لا ينبغي التساهل بشأنها، ولا يجوز التهاون معها، بوصفها أنها مجرد خطأ إجرائي، فتلك لعمري تبريرات تسهل انتهاك الدستور والخروج على أحكامه لا يجوز التغاضي عنها، تماماً مثل التغاضي عن إطلاق لقب سمو لرئيس الوزراء وهي جميعاً مخالفات، لها نتائجها وتداعياتها غير المقبولة.
– ان الرقابة التي يملكها القضاء في مواجهة السلطتين الأخريين هي إحدى مزايا مبدأ الفصل بين السلطات في ظل الأنظمة الديموقراطية، ومن تفريعاته، خصوصاً في ظل الأنظمة البرلمانية التي تقوم على مبدأ التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطات، وتأتي رقابة القضاء لتشكل ضمانة مهمة في منع انحراف السلطتين الأخريين وتقويمهما وردهما الى جادة الصواب عند مخالفة أي منهما لأحكام الدستور، ولذا وجدت الرقابة من المحكمة الدستورية على أعمال السلطتين الأخريين من دون حاجز أو مانع من بسط رقابتها على الرغم من الطبيعة السياسية لأعمال هاتين السلطتين، أو ما يعرف بأعمال السيادة بالنسبة الى القضاء العادي من دون القضاء الدستوري الذي وجد أساساً للرقابة على مثل هذه الأمور، وهو ما تتمتع به أيضاً محكمة الطعون الانتخابية، سواء كانت المحكمة الخاصة أو المحكمة العليا، كما في بعض الدول أو المحكمة الدستورية، كما في الكويت.
– اذاً، حكم المحكمة الدستورية الأخير عزز من الضمانات التي تكون للشعب حينما تتم انتخابات على أسس باطلة لاتصالها بإجراءات باطلة، مثل بطلان مرسوم دعوة الناخبين أو مرسوم حل مجلس الأمة، وهكذا فإن الحكم هو ضمانة ومفخرة للدور الإيجابي الذي يراقب به القضاء انحراف السلطتين الأخريين.
اللهم إني بلَّغت.
أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق