هل هناك كويتي واحد لا يرغب في تطوير نظامه السياسي؟ أشك في ذلك، اللهم إلا من كان مريضا بالوهم أو مستفيدا من الأوضاع الحالية أو مالكا لرؤية قاصرة عن مواكبة ما يجري في العالم، أو مقتنعا بأن الموجود حاليا «أكثر مما يجب» أو عاجزا عن الخروج من شرنقة الجمود.
والتطور سمة من سمات الكويت أساسا. هذه الدولة التي سبقت أقرانها في كل شيء قبل عقود وكانت منارة للقريب والبعيد تميزت بفرادتها وقدرتها على الكلام بلغة العصر لسبب واحد هو توافق إرادات داخل أهل السلطة من جهة وداخل التيارات السياسية والشعبية من جهة أخرى توج بتوافق بين الطرفين لاحقا على ان الكويت تحتاج الى حصانة دستورية ونظام سياسي حديث… وعلى أن الكويتيين شركاء في إدارة الحاضر وصنع المستقبل.
التوافق هو السر الذي أخرج الكويت من مرحلة إلى اخرى، والتفرد هو الذي أخر خروج دول اخرى من مرحلة الى اخرى. والدستور الذي ظلل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وضبط ايقاع عملها سمح بتطوير النظام وبتعديلات لمزيد من الحريات والديموقراطية ومزيد من الشراكة الشعبية في صنع القرار السياسي ومزيد من المشاركة الوطنية في السلطة والثروة.
نحن في الكويت ونحمد الله أننا في الكويت. تأخرنا عن الركب؟ صحيح، انما ليست الكويت التي لا تستعيد دورها ومكانتها. نريد تطوير النظام السياسي؟ الف صحيح.انما لمزيد من الحريات والديموقراطية والمشاركة الشعبية وسيادة المؤسسات وحقوق الانسان. وكنت شخصيا من اوائل الذين طرحوا اجتهادات للانتقال الى العمل الحزبي المعلن في ظل وجود عمل حزبي مستتر، بل كنت أكثر من انتقد تغييب الأحزاب لمصلحة حزبين لا يجب ان يكونا كذلك هما «حزب المجلس» و«حزب الحكومة». وكنت من أوائل الذين تحدثوا عن الامارة الدستورية والحل الامثل للوصول اليها، واذكر ان هذا الموضوع كان محور مداخلة بيني وبين الاخ الاستاذ عبدالله النيباري خلال حلقة تلفزيونية قبل أكثر من عشر سنوات، وكنت ومازلت اطالب بدور اكبر للشباب في الشأن السياسي العام وبمشاركة شعبية اكبر في الحكم… لكن ذلك كله ومع احترامي لكل القوى السياسية لا يستقيم الا تحت مظلة التوافق ولن يستقيم تحت مظلة الصدام وستدفع الكويت ثمنا غاليا لأي تحول ينتج عن صدام.
سمعت وسمع جميع الكويتيين ما قيل في تجمع ساحة الإرادة. وغالبية المطالب التي طرحت هي موضع اتفاق مبدئي لان احدا لا يرغب في الجمود. لكن رموز التجمع نفسه وهم يحظون باحترام وتقدير كثيرين ومحبة قواعدهم كانوا يرفضون قبل أعوام اي حديث أو تلميح أو تصريح لاجراء تعديلات دستورية في ظل مناخات سياسية غير مستقرة واجواء تصادم بين السلطات، ونحن جميعا ايدنا هذا الطرح لانه سليم طبيعيا وقانونيا ومستقيم دستوريا.
لم يناقض متحدثون كثر تصريحاتهم ومواقفهم السابقة فحسب بل تجاوزوها الى الطعن في القضاء الكويتي وكأنهم يحملون معاول هدم لاحد اهم اركان ثقة الناس بالدولة، فالقضاء هو الحصن الحصين والتعدي عليه تعدٍ على سلطة لا سلطان لأحد على قراراتها، وعلى من يتمسك بالدستور ان يتمسك بأهم بنوده أي قاعدة فصل السلطات… ناهيك عن أن حكم المحكمة الدستورية الأخير هو حكم مبطل لمرسوم صادر من صاحب السمو الامير، وناهيك عن جميع من تحدث في ساحة الارادة يعرفون قبل غيرهم ان مجلس 2009 سيحل مجددا وان الاسباب الموضوعية لحله ما زالت قائمة.
القضية الأخرى موضع التساؤل والاستغراب هي أن المطالب الإصلاحية التي طرحت لا تحتاج إلى مرحلة تصادم وحراك شعبي وأجواء تأزيم للحديث عنها. بل يفترض أنها صيغة تطويرية آخر ما تبتغيه هو لغة التحديات، كأن يقال مثلا «سنطالب بكذا إن لم تفعلوا كذا…»، أو «سيرتفع سقف مطالبنا ان تأخر الوقت»، أو غيرها من العبارات التي خلطت بين إصلاح ينشده الجميع وبين مطالب سياسية على قاعدة التحدي. فالنواب الكرام والخبراء القانونيون والدستوريون والسلطة الرابعة والتيارات السياسية من واجبها في كل لحظة وكل وقت ان تطرح المطالب الاصلاحية لتطوير النظام السياسي بكل الوسائل وفي كل المواقع، لا أن ترفع سقف التحديات في الازمات السياسية وتصور الامر وكأنه معركة بين سلطة ومعارضة أو بين جزء من سلطة وجزء من معارضة.
هذه مطالب من الطبيعي أن تطرح في اجواء توافقية لانها متعلقة بمستقبل بلد وتطوير نظام، ومن غير المستحب والمستحسن ان تطرح كجزء من صراع سياسي أو انتخابي لان ذلك يفقدها جوهرها الجامع الذي تحتاج اليه كي يلتف الجميع حولها وتحظى بقوة مانعة شبيهة بما حدث بعد اعلان الدستور وكفيلة بخلق التكاتف المطلوب في الازمات شبيه بما حصل عند الغزو وتداعياته.
نكرر. الإصلاح مطلبنا جميعا وعلى مدار الساعة ويجب ابعاده عن المزايدات السياسية لان هذه المزايدات ستحرقه. الاصلاح نريده توافقيا جامعا في مناخات سياسية راقية غير تصادمية ولا نريده مطلبا انتخابيا أو فئويا لخدمة اجندة هذا التيار السياسي أو ذاك، ولم نكن نتمنى ان يطرح في دائرة ردود الفعل والتحديات أو أن يربط بأزمة… نريد للإصلاح ان ينجح في تطوير نظامنا السياسي ولا نريد للازمات السياسية ان تأسر هذا النظام في دائرة المصالح.
يا سادة يا كرام، ومع الاحترام الشديد لكم بمختلف توجهاتكم، ما هكذا يورد الاصلاح وما هكذا تطرح المطالب. متفقون على تطوير نظامنا السياسي ومختلفون على الطرق… والاختلاف هنا يفسد للإصلاح قضية.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق