خالد الجنفاوي: “الديمقراطية الجهادية” مفارقة تاريخية

يعبر عنوان المقالة وعن قصد عن مفارقة لغوية وتاريخية وديمقراطية Anachronism ! فلا شأن للحماسة الجهادية والروحانية بما تنتجه الممارسة الديمقراطية الطبيعية, ولا شأن كذلك لما يُطلق عليه الربيع أو الكابوس العربي بالديمقراطية الصحيحة! ولكنني قصدت باستخدام مصطلح “الجهادية” لأشير إلى تناقض غريب أخرجته لنا بعض الهزليات المؤلمة للربيع العربي: فبدلاً من تكرس قبول الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر, وبدلاً من ترسخ ثقافة التسامح والتعددية والتنوع الثقافي والاجتماعي في مجتمعات الربيع العربي, برزت في ساحات الربيع الدموي صيحات جهادية بنكهة ديمقراطية مزعومة فُبركت ورُهِّمَتْ قسراً على سياقات ديمقراطية غربية المنشأ. وبالطبع, من يخرج كل ما في جعبته من النداءات والدعوات الجهادية للحفاظ على الشرعية الديمقراطية المزعومة هو بشكل أو بآخر يستخدم الآلية الديمقراطية مطية للسيطرة على قلوب بعض الناس البسطاء, وبخاصة اولئك الذين يبدو تستثيرهم الدعوات الروحانية المبالغ فيها, ويستهويهم سماع الشعارات الرنانة والأناشيد الحماسية.
يقشعر العقل الرزين والمتمدن عند سماع دعوات الجهاد والقتال وإقصاء الشريك الآخر في العملية الديمقراطية: فمن جانب معين, ليست إزاحة وتدمير الشريك الآخر في العملية الديمقراطية إسلوباً ديمقراطياً معتاداً في عالمنا الحالي, ومن جانب آخر ليست الدعوات للجهاد ضد أبناء الوطن الآخرين جهاداً مشروعاً أخلاقياً. بمعنى آخر, يبدو أن كل شيء تستعيره بعض العقليات العربية من الغرب يتم فبركته وطعجه وتخريبه وتلوينه بألوان وبنكهات معينة تتناسب مع طبيعة الشخصية الاستحواذية.
ومن هذا المنطلق, فليس من المنطق استعمال وتجيير خطابات دينية وروحية ومحاولة حشرها قسراً في السياق الديمقراطي المعتاد, بل حتى لو فشلت أي ممارسة ديمقراطية ولأي سبب فلن يحلها سوى تكريس مزيد من القبول لثقافة الاختلاف والتعددية ورفض الإقصاء ووقف بعض المحاولات الشخصانية والحزبية الضيقة للاستحواذ على مقدرات المجتمع ومؤسساته الوطنية.
وكما لا يمكن إلحام الخشب بالحديد, فلا يمكن كذلك إلصاق خطاب روحي مقدس بما تنتجه الديمقراطية العصرية: فمن ينظر الى نتائج الممارسة الديمقراطية المعاصرة على أنها بيعة لأحدهم, فهو كمن يدعو الى ترسيخ وتثبيت الفائز في العملية الديمقراطية كولي أمر الأمة, وهو وفق النظرية الديمقراطية ووفق السياق التاريخي العربي النمطي ليس كذلك. فلا يمكن في أي حال من الأحوال استخدام مصطلحات خطاب ديني حماسي في سياق ديمقراطي عصري, اللهم إلا إذا رغب من يرددون هذا الخطاب الروحاني الإطباق على نفس الأمة لمدة طويلة وللأبد !

كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.