يثار هذه الأيام حديث حول استعدادات الحكومة للانفجار المرتقب في سورية وتأثيراته على الواقع المحلي، وقد أكد رئيس المجلس مرزوق الغانم في أكثر من مناسبة تواصل البرلمان مع السلطة التنفيذية وتحديداً راسم السياسة الخارجية لإطلاع النواب على مجريات الأحداث ومدى الاستعداد لطوارئ الوضع المأساوي في سورية، وقد حدث ذلك الأسبوع الفائت. في الشكل العام دائماً ما يمتعض البعض بالقول: ليترك النواب السياسة الخارجية للحكومة ولا يتدخلوا فيها وليلتفتوا إلى قضايا المواطنين، لكن هذا المنطق يعد قاصراً وإن كان مبرر انتشاره ممارسات غير محسوبة ومتسرعة لقلة من النواب في بعض المجالس السابقة، والتي أحرجت الحكومة في علاقاتها مع بعض الدول سواء في فترة ما بعد تحرير البلاد تجاه مواقف ما سمي بـ”دول الضد”، التي لا يمكن التغاضي عن تأثيراتها العاطفية والأخلاقية على الشعب الكويتي، أو الفترة الحالية التي تشهد فيها المنطقة احتجاجات وغلياناً طائفياً عارماً.
دور البرلمان في السياسة الخارجية أساسيٌ وليس ثانوياً، فرضته حركة التواصل بين البرلمانات منذ ستينيات القرن الماضي وبقوة، وأحد محددات هذا الدور المساهمة في حفظ الأمن والسلم الدوليين إلى جانب التواصل بين أناس منتخبين يبحثون مصالح شعوبهم. وقد بذل أعضاء في مجالس الأمة جهداً كبيراً في دعم القرار والموقف الحكومي إبان الغزو العراقي وبعد التحرير لترسية القرارات الدولية ضد نظام صدام من خلال الوفود البرلمانية.
وقبل ذلك وبعد سنة الاستقلال، كان الدعم البرلماني لسياسة الكويت الخارجية لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي، حيث كانت البلد الوحيد خليجياً الذي أرسى دعائم تلك العلاقات واستفاد منها في لعب دور الوسيط في حل بعض المشكلات العربية والخليجية، ودعم حركة التحرر الجزائرية وغيرها من القضايا القومية.
لكن كيف يمكن ممارسة الدور البرلماني في السياسة الخارجية؟ بالطبع هناك أسس مرسومة للجنة الشؤون الخارجية في المجلس حول الاتفاقيات ومشاريع القوانين والمراسيم والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهناك أيضا الرقابة على مجريات السياسة الخارجية، ودائما ما كانت المساعدات المادية الكويتية للدول مثار جدل بين الحكومة والبرلمان من زاوية ضرورة تسكين تلك المعونات على خطوط قانونية واضحة، كما كان لملف “التحويلات الخارجية” جوانب مؤلمة لا يزال بعض النواب الحاليين تواقين لمعرفة حقيقتها.
الدور النيابي المطلوب في مراقبة السياسة الخارجية يتطلب برلمانيين من ذوي الخبرة والحنكة يعرفون متى يتحركون، وأين يقفون، ولماذا في كلا الحالتين؟ مقدرين تفاصيل القضية التي أمامهم، ولاعبيها الأساسيين، وثقل كل طرف فيها وحجمه. ونلاحظ اليوم كيف تتدخل برلمانات بريطانيا وأميركا وفرنسا في شأن توجيه ضربة لنظام بشار الأسد، ما يعني أن القرار البرلماني أساسي وليس ثانوياً.
دستور الكويت أحد الأعمدة التي يتكئ عليها المسؤول عن السياسة الخارجية في الكويت، فحينما تواجه الحكومة أي طلبات غير مقنعة من دول أخرى يلجأ المسؤول إلى مجلس الأمة والدستور، كما حدث في مواجهة طلب صدام تأجير جزيرتي وربة وبوبيان إبان الحرب العراقية الإيرانية، أو إسقاط الديون العراقية، أو الاتفاقية الأمنية الخليجية منذ الإعلان عنها في تسعينيات القرن الماضي، والتي أجري عليها تعديلات لاحقة وتنتظر دروها على جدول أعمال لجنة الشؤون الخارجية الآن. إذن، فالشعب الكويتي يستطيع عبر ممثليه في البرلمان المشاركة في صياغة قرار الدولة تجاه قضية ما تخص السياسة الخارجية، وإن بشكل غير مباشر، لذلك دائما ما يكون حسن اختيار هؤلاء الممثلين مسؤولية وطنية على الناخبين.
الكويت بلد صغير، وأبرز أدوات الحفاظ على كيانه الترابط الداخلي، والدستور، وتناغم صوت الحكومة والمجلس في سياسة الدولة الخارجية مع استخدام أفضل للموارد.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق