لا أؤمن بنظرية المؤامرة, ولكنني أعتقد أن بعض الأفراد هم من يتآمرون على أنفسهم وباختيارهم. فحين يبرر أحدهم بطشه بأخيه وقسوته عليه, فهو بشكل أو بآخر يتآمر على نفسه. فالقسوة الجنونية والتي يظهرها بعض العرب ضد أبناء جلدتهم ليست مؤامرة كونية على الأمة العربية, ولكنها تحصيل حاصل لسلوكيات وتصرفات اختيارية: أي أن من يقسو على ابن عرقه وثقافته العربية سيهون على الآخرين, ومن يبطش بابن جلدته سيصبح ضحية سهلة لأعدائه, ومن لا يتمنون له ولا لأخيه الخير. فكيف يمكن تفسير القسوة والاستغلال الذي يعانيه بعض اللاجئين العرب في بعض بلاد العرب? وماذا يبرر قسوة بعض العرب ضد بعضهم بعضاً وتعاملهم مع أبناء وطنهم الآخرين كمجموعة من الكائنات والتي يجب سحقها وتدميرها وإزالتها بأي شكل من الأشكال?
من يتابع كتاباتي الصحافية يدرك تفضيلي للتسامح وتكريس التعددية وقبول الاختلاف, أي أنني لا أؤمن شخصياً بتفوق عرق على آخر. ولكن ما يحز في نفسي ويؤنب ضميري الإنساني, بل ويشعرني أحياناً بالغيظ هو تناقض بعض شعارات الاخوة العربية مع ما أقرأه وأراه من قسوة بعض بني العرب ضد أبناء جلدتهم ! وسواء أتت هذه القسوة العربية-العربية على شكل إهانة واستغلال والتفرقة ضد اللاجئين والمغتربين العرب في بعض المجتمعات العربية, أو تمثلت القسوة في البطش بالعربي الآخر أو محاولة إلغائه من المعادلة الوطنية المحلية, فهي ستوهن الجسد العربي وستجعله لقمة سائغة لمن لم ولن يتمنوا الخير للعرب.
نحن العرب والمسلمين ربما نكون خير أمة أخرجت الناس ولكن حين نأمر فعلاً بالمعروف وننهى فعلاً عن المنكر فيما بيننا أولاً: وكيف نصبح خير أمة أخرجت للناس وها هو بعضنا يبرر, بل ويطبل لتدمير وسحق الإنسان العربي الآخر? وكيف نكون خير أمة أخرجت للناس وكثير منا يتجاهل واجباتنا الأخلاقية تجاه بعضنا البعض?
لن نخرج نحن العرب من أزمتنا الحضارية ما لم نبدأ نكافح شيوع سلوكيات وتصرفات البطش والقسوة والتي لا يزال يمارسها بعضنا ضد البعض الآخر, بل ولن يكتسب بعضنا احترام العالم ما لم نواجه, وبشكل صريح, بعض أزماتنا الأخلاقية والتي صنعتها ورسختها في ذهننا الجمعي العربي بعض عقول عربية لا تزال تعتقد أن القسوة والبطش مرادفة للبطولة الحقيقية: البطولة العربية النبيلة في عالمنا اليوم هي أن تعلن رفضك لقسوة العربي على أخيه العربي.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق