جلست مع أحد الأصدقاء وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث، وكان الموضوع الرئيسي للنقاش الكتابة الصحافية، وكيف تبدأ فكرة المقال بالتطور حتى تأخذ الصفة النهائية، وقد يمر المقال بمخاض صعب وأحياناً يحتاج إلى عملية قيصرية.
عرجنا بعد ذلك بالحديث عما يجود به الخاطر من مقالات، فقد استهوتني الكتابة الصحافية منذ أيام الدراسة المتوسطة في مدرسة صلاح الدين، عندما كلفت من أستاذ اللغة العربية الأزهري إبراهيم حمودة بالإشراف على “صحيفة الحائط” الأسبوعية، وقد كان لذلك الأستاذ الكريم بلباسه الوقور الجبة والقفطان فضل كبير عليّ بالتعلق بهواية القراءة والاطلاع، فلأستاذي الفاضل كل الشكر والتقدير والصحة والعافية إن كان ما زال على قيد الحياة، والرحمة والغفران إن كان قد انتقل إلى رحمة الله.
بعد التخرج والعمل بدأت بكتابة بعض المقالات في جريدتي “الرأي العام” و”الأنباء”، ثم جريدة “الوطن”، حيث كنت أحد كتاب “استراحة الخميس” عندما كان الأخ محمد عبدالقادر الجاسم يتولى رئاسة التحرير، كما مارست الكتابة في جريدة “القبس” و”القبس الدولي” التي كانت تصدر في لندن، وأيضا في جريدة “صوت الكويت” التي كانت تصدر في لندن أثناء فترة الغزو والاحتلال الغاشم، وكان يرأس تحريرها الأخ الكريم د.محمد الرميحي.
وهنا بودي أن أشير إلى أننا في فترة الاحتلال طرحنا فكرة إصدار مجلة “العربي” في الجزائرعندما كنت أتولى رئاسة البعثة الدبلوماسية هناك، وتم التواصل مع الدكتور الرميحي للتنسيق، كما تم الاتفاق مع مالك إحدى المطابع، والذي وافق في بداية الأمر لكنه اعتذر فيما بعد، نظراً لتعرضه لتهديد بحرق المطبعة في حالة قيامه بذلك، وأخيراً حططت الرحال في هذه الجريدة الغراء.
بعد هذا الاستعراض السريع لبدايات الكتابة الصحافية التي كانت ولا تزال “هواية محببة” أشعر بكمّ هائل من المتعة بممارستها، فأجأني صاحبي بالقول: هل تتقبل مني رأيي بمقالاتك الصحافية بصراحة، إنى أجد أغلبها يتصف بالشخصانية، فأنت لا تريد الحديث عن الوقائع والأفكار بقدر ما تريد الحديث عن نفسك، وما فعلته عندما كنت تتولى بعض المناصب، والسرد لما قمت به من عمل يفرضه عليك الواجب.
ويشهد الله أني سعدت بهذا النقد الصريح من صديق صدوق أكنّ له المحبة والتقدير، وأتمنى هنا أن يتقبل صاحبي رأيي كما تقبلت رأيه برحابة صدر، لعل لصاحبي بعض الحق في ذلك، ولكن من المؤكد أنني عندما أتحدث عن وقائع مررت بها فإني أعتبر ذلك تسجيلاً لتلك الأحداث، والتي قد تكون أحياناً جزءاً من تاريخ الوطن، خاصة أن الكويت الغالية قد مرت بغزو واحتلال غاشم استمر أكثر من سبعة أشهر تعادل قروناً، حاول المحتل فيها أن يطمس هويتنا ويسلب كرامتنا، فكان لكل فرد من الشعب الكويتى مخزون هائل من ذكريات البطولة والعزة في تلك الفترة الحالكة السواد، أفلا يحق لهذا الشعب الذي تلاحم بكل مكوناته مهما اختلفت المسميات أن يفخر بقيامه باسترداد وطنه وحريته؟
ومن ناحية شخصية فقد مارست العمل الدبلوماسي على مدى أكثر من “37” عاماً وعلى مساحة العالم بأكمله، أفلا يحق لي أن أسطر هذا المخزون من الذكريات واللقاءات في بعض المقالات, وذلك ليس بدعاً، فالمكتبات تزخر بكتب المذكرات الشخصية المختلفة.
ثم نأتي لعنوان هذا المقال “هل الكتابة الصحافية مهنة أم هواية” وفي اعتقادي أن الصحافة كغيرها من المهن يمكن ممارستها بالدراسة الجامعية أو بالممارسة والخبرة العملية، وهنا يلتزم الموظف الصحافي بالخط والتوجه العام للجريدة بعقد قانوني مكتوب لا يستطيع الخروج عنه، وإلا سيفقد المخصصات التى يتقاضاها.
أما ممارسة الكتابة الصحافية كهواية، فالكاتب له حرية اختيار المواضيع والتعبير عنها، ولا يفترض أن تكون بالضرورة تتماشى مع توجهات الجريدة أو ملاكها، وهنا كلمة حق لا بد من قولها، فقد وجدت في جريدة “الجريدة” كما وجد الزملاء الكتّاب في اعتقادي مساحة واسعة من حرية التعبير حتى لو خالفت توجهاتها، وهذا يدل على مقدار كبير من الثقة بالنفس علماً أن بعض الدور الإعلامية تحرص على اختيار بعض الكتاب لزيادة أعداد القراء.
وهنا لا بد من الشعور بالفخر بصحافتنا الكويتية التي تتفوق بأشواط واسعة من حيث التنوع في الأفكار والكتّاب ومساحات واسعة من الحرية التي أعتقد أحيانا أنها بلا سقف، ويبقى السقف الوحيد لجميع هذه الصحف والمجلات هو حب الكويت والحرص على أمنها ونظامها الذي في اعتقادي وإيماني لا يدانيه نظام.
ودعاؤنا دائماً أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
***
«من عنده الغطاية»
في خطوة جوهرية على صعيد دوران عجلة التنمية استعرض مجلس الوزراء مشروع مترو الأنفاق، وتمت الموافقة مبدئياً عليه وإحالته إلى “لجنة الخدمات العامة” لاتخاذ الإجراءات المطلوبة على صعيد خطوات التنفيذ.
للمشاركة في الغطاية يرجى الاتصال باللجنة المذكورة أعلاه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق