«الحرب على الإرهاب»، يقول الأستاذ القانوني، د.محمد عبدالمحسن المقاطع، «عنوان عريض مبهم مجهل، والكل يستخدمه شماعة ليبرر مجموعة من الاعمال المقبولة او المرفوضة، وقد نتفق ان القاعدة ربما يكون لها تواجد ونفوذ في افغانستان وجزئيا باكستان، وربما يصدق بان لديها عناصر في اليمن».
ولايشير د.المقاطع للاسف الى الارهاب في المملكة العربية السعودية، مقر ومنبت «اسامة بن لادن» وجماعة 11 سبتمبر، ومفجري الاحياء السكنية في الرياض وغيرها، ثم يضيف ان الدول العربية والاسلامية قد «استهوتها موضة القاعدة، فوجدت ضالتها في خيال المآتة، وتم استخدام القاعدة «خيال مآته» – اي شبح وهمي او خيال رجل في البساتين لإخافة الطيور – من قبل الانظمة، لتبرير عدوانها على شعوبها وسحق الحريات وايضا لإخافة الغرب، ولو كان للقاعدة هذه القوة وذلك الانتشار لكانت اليوم قوة عظمى»، ويقول في مقاله مضيفا «ان الارهاب اتخذ عنوانا فضفاضا حتى صار متلازما مع الاسلام، وهو هدف وغاية مقصودة لدى الغرب لكبح جماح الشعوب العربية والاسلامية التي تتجه لتحكم ارادتها ومقاليد الامور في بلدانها». (القبس 2013/9/5).
وواضح من المقال ان د.المقاطع يقول في البداية ان «القاعدة» كتنظيم ربما كان «موجودا فعلا» في دول مثل افغانستان وباكستان واليمن، ولكنه يشكك في وجوده اطلاقا في دول اخرى ومنها كما ذكرنا، السعودية او شمال افريقيا والعراق وبلاد الشام وربما حتى الكويت، فنحن لا نتوقع ان الاستاذ الموقر يتجاهل دور شخص – بأهمية «سليمان ابو غيث»، الناطق الاعلامي باسم القاعدة عام 2001.
ولا يمكن ان تكون شكوك الاستاذ المقاطع حول وجود تنظيم القاعدة صحيحة، بعد ان تراكمت كل هذه الادلة المنقولة والمعقولة، والوثائق والافلام والاعترافات والحوادث والتفجيرات، وارتفع عدد الضحايا في كل مكان من العالم العربي والاسلامي ليصل الآلاف، وقام اهل الاختصاص والبحث العلمي بدراسة التنظيم واشخاصه وعملياته وخططه، وكتبوا الدراسات والكتب والتقارير، اذ كنا نتوقع ان د.المقاطع، وهو من رجال البحث الاكاديمي والبحث، الا يخلص الى رأي حول القاعدة وحقيقتها، دون المرور ببعض هذه البحوث والحقائق الدامغة، والتي لا يمكن معها نفي وجود هذا التنظيم واعتباره مجرد خيال مآتة او ناطور في بستان.
لقد كان اسامة بن لادن مواطنا سعوديا في عائلة معروفة وذات نفوذ، واختار هذا الدرب وكان ما كان، أفلا يمكن ان الكثير من انصاره ومن حوله حملوا – ولا يزالون – افكاره في السعودية واليمن وبلدان الخليج الاخرى والعالمين العربي والاسلامي؟ ثم اننا في عصر يسهل فيه الاتصال ونشر المعلومات وتكوين الجماعات والانصار، والكثير من اعضاء القاعدة من مهندسي الالكترونيات والكمبيوتر، وممن درسوا في جامعات اوروبا وامريكا، فلماذا لا يقومون بنشر افكار التنظيم وتوسيع نفوذه؟ بل ان بعض الصحف مثل واشنطن بوست تقول ان قادة القاعدة «شكلوا خلايا من المهندسين في محاولة لإسقاط او تعطل او خطف طائرات امريكية بدون طيار». (الجريدة 2013/9/5) ناهيك بما صرفت بلدان العالم كلها من مبالغ طائلة على مستلزمات الامن وتحصين المطارات والسفارات والمؤسسات المختلفة، وعلى ملاحقة رموز هذا التنظيم؟ هل يمكن للمجتمع الدولي ان يعقد حياته السياسي والدبلوماسية والمعيشية الى هذا الحد، ويتحمل كل هذا الاذى وكل هذه التكاليف، كي يلاحظ خيال المآتة او يطارد شبحا وهميا؟ هل يمكن للانجليز والفرنسيين والالمان والروس والاستراليين والكنديين والامريكان وكل الشعوب الاخرى، ضحية وهم لم يدرك كنهه وعدم صحته الا الذين ينفون وجود القاعدة؟
ويهاجم د.المقاطع بعض الانظمة العربية والزعامات الاستبدادية، ولكنه يكاد يبرئ تنظيم القاعدة، لمجرد ان بعض هؤلاء استخدم اسم هذا التنظيم لإخافة شعب وإدامة حكمه. وهذا مدخل خاطئ في ثقافتنا السياسية والفكرية، اذ نعتبر دائما عدو عدونا صديقا، او نحاول اظهار تفوقنا الحضاري والاخلاقي بالتهجم على الحضارات والثقافات الاخرى. واذا كانت هذه الانظمة الدكتاتورية في العراق وليبيا وسورية واليمن ومصر وتونس وغيرها قد اساءت لنا وعرقلت تقدمنا، فان ما قد تفعله بنا القاعدة سيكون اسوأ بكثير، وفرق كبير بين ان يحكمك اي نظام سياسي مضطر لان يخضع لبعض القواعد الدولية والاعراف والقيم، وان يحكمك تنظيم ارهابي لا يعرف غير لغة التفجير والقتل والنحر وابادة كل من هو مخالف، وبالطبع في الاثنين شر وبلاء، ولا ينبغي ان نجد العلاج في اي من المخرجين. ان الفكرة المحورة في تنظيم القاعدة هي انه «يمكن بالعنف والارهاب المنظم تحقيق اهدافك السياسية، وبخاصة في الدول العربية والاسلامية». والمسألة التي يجب ان نركز عليها في اعتقادي ليست فقط ما اذا كانت الاتهامات الموجهة ضد القاعدة صحيحة او وهمية، بل وكذلك كم من العرب والمسلمين في العالم الاسلامي واوروبا وامريكا، على اتم الاستعداد للانخراط في جهاز القاعدة والسفر للقتال في افغانستان او العراق او اليمن او ليبيا او بلاد الشام. ونحن نعرف كما ذكرت، ما فعلت انظمة هذه الدولة بالعرب والمسلمين، ولكن هل جيوش تنظيم القاعدة وجماعاته المقاتلة ارحم واكثر مراعاة لاحكام الاسلام وتقدم العرب والمسلمين؟
وكم وددت لو ان د.المقاطع ركز حديثه ومقالاته على مشاكل الواقع العربي ومسؤولية الشعوب العربية ومؤسساتها عن تطوير واقعها بدلا من هذا التدويل والتسييس البحت لمشاكل العرب والمسلمين، واعتبار امريكا او الغرب مسؤولا عن كل صغيرة وكبيرة، والاعتقاد ان كل ما تقوله ثقافة العصر والقيم الدولية مجرد افخاخ ومصائد للعرب والمسلمين، فلأمم الأرض كلها مشاكل مع امريكا واوروبا والصين واليابان وغيرها من الدول الكبرى، ولها معها كذلك علاقات متوترة لأسباب تاريخية وغيرها، ولكن لم تقم مثل العرب والمسلمين بتأسيس منظمة ارهابية دولية باسم الجهاد والكفاح كالقاعدة، تهدد البشرية كلها وتحاول هدم الاستقرار الدولي، حتى صار الارهاب، كما يقول د.محمد المقاطع، «متلازما مع الاسلام».
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق