أصبحت اليوم تربية الأبناء من الهموم التي تواجه الآباء مع هذا التغير السريع لمجريات الحياة والتطور التكنولوجي وتنوع وسائل الاتصالات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي وانتشار المحطات الفضائية والاختلاط مع فئات المجتمع المختلفة وغيرها من العوامل التي ساهمت في إحداث هذه النقلة المفاجئة في طبيعة حياتنا اليومية، والتي طال مداها الجميع، الصغير قبل الكبير.
أحد الأصدقاء يعيش حالة من التوهان والقلق، كل همه مراقبة تصرفات أبنائه ومتابعة أفعالهم، يلازم ابنه الكبير في كل مرة يخرج بها خارج المنزل لقضاء حاجاته، يراقب ابنه الصغير في أفعاله، فمثلا لا يسمح بإدخال أي لعبة من ألعاب (البليستيشن) إلا بعد أن يتم اختبار محتواها والتأكد بأنها لا تحتوي على ما يخل بالأدب أو بالدين! أما ابنته الوسطى فهي كذلك تخضع لمراقبة لصيقة، أجد أنها مملة بعض الشيء. الشاهد، أن صديقنا العزيز لم يعِ حتى اليوم أن كل أمور الحياة تغيرت، حتى وسائل تربية الأبناء.
فلم يعد اليوم ما كان يفعله آباؤنا في تربية أبنائهم صالحا في تربية أبنائنا، فتأثير البيئة المحيطة والمجتمع والمدرسة والأصدقاء أضحى أكبر وأقوى حتى من تأثير الآباء. فبحسبة بسيطة، نجد أن ما يقضيه الأبناء مع آبائهم لا يعادل ما يقضونه مع أصدقائهم أو في المدرسة أو في قضاء أوقات فراغهم داخل وخارج المنزل.
علينا أن نعي أننا يجب أن نتبنى وسائل أكثر حداثة في تربية الأبناء،على الأقل، حتى نتماشى مع تطورات العصر ومتغيرات الحياة. لم تعد وسائل المراقبة وتربية (الطراق) تجدي نفعا مع الجيل الجديد، وما نحتاجه هو أن نكون أكثر مرونة في تعاملنا مع فلذات أكبادنا.
لعل ما نحتاجه هو أن نكون أكثر قربا من أبنائنا، نسمع لهم ونتفاعل مع همومهم ونلبي احتياجاتهم. يجب أن ندرك أننا من المهم أن نغرس فيهم مفاهيم الصواب والخطأ، المقبول والمرفوض. يجب علينا أن نرسم لهم الطريق الصحيح المبني على شرع الله وسنة نبيه وأن نوجههم للطريق السليم على أن تكون معاقبتهم بطريقة علمية لا تترك على الطفل أثرا آنيا أو مستقبليا.
لن يجدي التهديد والوعيد والعقاب والمراقبة، دون أن يصحب ذلك توجيه الطفل لما هو صحيح وسليم. لن يتمكن الطفل من استيعاب أخطائه ومعرفة سلوكياته إلا إذا تمكنا من رسم صورة صحيحة لكل تصرفاته وجعلناه يستطيع مع الوقت ومن تلقاء نفسه أن يميز بين ما يصح وما هو مرفوض. وقبل كل هذا علينا أن نراجع أنفسنا وتصرفاتنا، على الأقل أمام أبنائنا، لأنهم يروننا قدوة لهم.
كل مولود يولد على الفطرة، وما علينا فعله، هو أن نعود أبناءنا على ما هو سليم بالتلقين والتعويد وضرب الأمثال الواقعية حتى تتأصل بهم المفاهيم السليمة. علينا أن نشجعهم على فعل كل ما يرضي الله ويضمن لهم التربية الصحيحة. علينا أن نجد لهم الوسائل المناسبة والسليمة لقضاء أوقات فراغهم بما هو مفيد ومجدٍ. علينا وعلينا وعلينا…. فهم جزء مهم وأساسي من حياتنا.
إلى صديقي المهموم، كلنا نعيش معك همومك، فلا يخلو منزل من الأبناء، علينا فقط أن نقوم بما هو مطلوب منا، نتفكر ونتأمل ومن ثم نطبق ما هو مفروض علينا من خلال الاقتداء بكتاب الله وسنة نبيه ومن خلال ما يمليه علينا ضمائرنا. علينا أن نثق بالله إن كنا مخلصين في تربية ابنائنا، لأنهم بذلك سيكونون بالفعل كما نريد.
Email: boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق