يسعى الكثير من الكويتيين إلى إلحاق أبنائهم بمدارس تعليم خاص ظنا منهم أنهم يضمنون لهم عملية تعليمية أكثر كفاءة وأدوم أثرا, فتجدهم يصرفون في تلك المدارس الكثير, ويستقطعون من معاشهم الأكثر, ويضيقون على أنفسهم وتباعا على أبنائهم أكثر وأكثر إيمانا بضرورة التعليم وأولويته, ولكن المؤسف في حقيقة الأمر أن مدارس التعليم الخاص في الكويت لا تختلف كثيرا بمحتواها التعليمي ولا بمناهجها الأكاديمية عن مدارس التعليم الحكومي سوى بكثير من رفاهية وقليل من بيئة تربوية أكثر مراقبة.
السبب في تشابه المدارس, بطاقاتها التدريسية, ومواردها البشرية, ومناهجها التعليمية يعود إلى لتحكم الطبيعة الرأسمالية لمعظم من يمتلك تلك المدارس, والأهم أنه يعود لغياب قانون صارم يشترط التنويع ويحكم الأسعار. رغم زيادة عدد مدارس التعليم الخاص في الكويت في السنوات الأخيرة إلا أن مصاريف الالتحاق بتلك المدارس في تزايد مستمر سنة تلو الأخرى, في حين أن كثرة التنافس في أي عمل ربحي من شأنه أن يعمل على التخفيض من الأسعار لا رفعها, وهنا مربط فرسنا ولجامه.
فإذا كانت المدارس تتشابه بمحتواها الجوهري التعليمي, وإذا كانت تلك المدارس تحكمها شروط واحدة مدفوعة من وزارة التربية والتي تنص على أن تولي جميع مدارس الكويت قدرا محددا من الاهتمام لهذا العلم وذاك, فلماذا التباين الشاسع في الأسعار?
السبب المنطقي الوحيد هو في المثل المحلي القديم “لا تبوق لا تخاف” إلا أننا نستخدم مثلنا هذا اليوم بالمقلوب فنقول “ما تخاف إذا ًبوق”! وتلك تهمة لا نلقيها جزافا ولكنها تهمة معللة ومسببة ببعض ما يأتي من أسباب:
أولا: التركيز على اللغة الإنكليزية لم يعد حكرا على مدارس التعليم الخاص في النظامين الأميركي والبريطاني كما كان سابقا, ولكنه امتد لمدارس تعليم خاص مملوكة من رؤوس أموال كويتية وبعضها مملوك من أسر كويتية كذلك, لذا فإن ميزة التعليم باللغة الإنكليزية لا تدعم غلاء الأسعار ولا تبرره.
ثانيا: أن وسائل الترفيه التي توفرها بعض مدارس التعليم الخاص من أحدث أجهزة وأكبر مسابح وأوسع ملاعب لم تخرج لنا جاسم يعقوب آخر, ولم تصنع لنا تيم فيليبس كويتي حتى نصدق أن الثقافة الرياضية تعامل بالجدية والاحترام والاهتمام نفسها الذي تعامل به في دول كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
ثالثا: أن المباني الحديثة, والمجمعات التعليمية المصممة بتصاميم هندسية غريبة, والباصات المكيفة, لا تضمن سائقين محترفين, ولا معلمين مسؤولين, ولا مديري مدارس أكفاء أو قادرين, فحقيقة الواقع التعليمي الكويتي تشير إلى أن الكثير من مخرجات التعليم الخاص لا تتميز, أكاديميا أو علميا, عن زملائهم في التعليم الحكومي, وهذا ما تقيسه الجامعات تحديداً – وخصوصا جامعة الكويت- حين تستقبل مستجديها من خريجي التعليم الخاص والحكومي.
يظل الفارق الأهم والسبب الحيوي من وراء حرص الواعين من أولياء الأمور في الكويت على التعليم الخاص لأبنائهم, هو أن التوجه التعليمي, والدفة الرئيسية التي تقود المركب التربوي, والرؤية الأولى لتحقيق الحلم الأكاديمي تختلف عند التعليم الخاص عنها عند التعليم الحكومي, وذلك ببساطة لأن التعليم الخاص والأميركي تحديداً يعمد إلى تنمية الشخصية حتى لو كان أحيانا على حساب المنهج الأكاديمي, بحيث يتم تشجيع الطالب والطالبة على المناقشة, والمجادلة, والمقارنة, بحيث يتمكن الطالب أو الطالبة من تمثيل أنفسهم والأفكار التي يتبنونها على أكمل وجه, بينما لا تزال مدارس الحكومة تتبع المفهوم التربوي نفسه الذي ينص على كلمتين لا ثالث لهما, وهما “السمع” و”الطاعة”.
و لكن هل ثمن الرؤية الأكاديمية التي قد تصدق بها بعض مدارس التعليم الخاص بالآلاف? وهل قيمة التوجه التعليمي الذي قد يتحقق أو لا يتحقق على أرض الواقع بضعة آلاف? هل يصح أن تتحكم رؤوس الأموال المحركة لتلك المدارس بالقيمة غير النهائية والمتصاعدة للتكاليف من دون قانون يضع سقفا أعلى أو يضبط آلية إقرار التكاليف أصلا?
h_alhuwail@yahoo.com
قم بكتابة اول تعليق