“كيف يكون هناك كرامة بلا وجود الصدق والأمانة? “سيسيرو (خطيب روماني 106-43 ق م)
أعتقد أن الكلمات التي يمكن أن تُستخدم كنقاط مرجعية لوصف أخلاقيات الغرب الحضاري هي احترامه لكرامة الإنسان (Dignity) فما يميز التعامل الإنساني الغربي عموما هو صدقه وأمانته وحفاظه على وقار وكرامة وقدسية الروح البشرية. ولعل الحرص الغربي على تكريس مبادئ الصدق والأمانة والاستقامة في الحياة اليومية أدى إلى ترسخ قيم ومفاهيم احترام كرامة الإنسان مهما كان عرقه, أو دينه, أو ثقافته أو توجهاته الفكرية. وهذا النوع من البيئات الإنسانية الحضارية تكرس لتعامل إنساني- إنساني يتميز بالذوق والاحترام وتفضيل النظامية بل وإحساس الإنسان الفرد بآدميته واستقلاله وكمالية وجوده. وبالطبع من يقرأ بمتعن التاريخ الحضاري الغربي يكتشف أن احترام الغرب الحضاري لكرامة الإنسان نبع من تجارب تاريخية واجتماعية وثقافية متراكمة وصل فيها العقل الجمعي الغربي إلى قناعة أخلاقية ومنطقية حول أهمية الحفاظ على كرامة الإنسان. فيما يبدو عجزت عن تحقيق ذلك السمو الأخلاقي ثقافات ومجتمعات إنسانية أخرى طالما تبجح منظروها بتميزهم الأخلاقي عن الغرب !
الغرب أخلاقي وحضاري ومتقدم وحساس غالباً تجاه المعاناة الإنسانية لأنه كرس مبادئ وقيم أخلاقية يتعارف عليها جميع بني البشر بمختلف أعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم المحلية: فأحد أسباب الهجرة إلى دول الغرب تكمن أيضاً في إمكانية العيش في مجتمعات مدنية فعلاً ترتكز على الرحمة المتبادلة بين أعضاء المجتمع وعلى تآلفهم واندماجهم الأخلاقي في بيئات إنسانية مرجعياتها الرئيسية هي التفكير العقلاني والعملي ومنح الإنسان الفرد مكانته الأخلاقية التي يستحقها والتعامل معه كفرد حر ومستقل يستحق المعاملة الرحيمة والإنسانية والمتحضرة.
ولا أعتقد أنني أبالغ كثيراً إذا جادلت أنه في الغرب فقط ربما يشعر الإنسان بكامل آدميته وحريته واستقلاليته الجسدية والروحية. فلا توجد في الغرب الحضاري قيود مفبركة صنعتها أياد وأذهان ضيقة الأفق تكره حرية الإنسان وتحاول منعه من التمتع بحياته وفق مقدراته وتطلعاته المشروعة. فيشعر الإنسان في الغرب بأنه حر فعلاً, ومحترم فعلاً, وآدمي فعلاً, ويستطيع أن يحقق كل ما تتمناه نفسه وفق إمكاناته وقدراته الشخصية. فالغرب أخلاقي وحضاري وعقلاني قولاً وفعلاً لأنه تخلص من تلك العقول البالية والتي أرادت فقط تقييد حرية الإنسان عن طريق الخزعبلات المفبركة.
عيش دقيقة حرية وكرامة في غالبية المجتمعات الغربية يساوي قروناً من الشعارات الرنانة حول التميز الأخلاقي المزعوم.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق