أبدى بعض الإخوة والأحبة اعتراضهم على ما نشرناه قبل ايام ضد التوجه لإعادة التجنيد الالزامي والذي أكدنا أن تجربة الكويت معه كانت فاشلة حيث كان مركزاً للواسطة والمحسوبية.. وكان من يعرف ضابطاً في الجيش آنذاك أعطاه دفتر التجنيد «وينسى الموضوع».. أما من لا يملك الواسطة «ياكلها»، ناهيك عن أذى التجنيد للعاملين بالقطاع الخاص ممن تهدد وظائفهم، وأذى الاستدعاء السنوي للمجندين حتى سن الاربعين، ما يضطرهم لترك بيوتهم وأعمالهم لشهر كل سنة، كما أثرنا التعجب من أن مَن ترفض المؤسسة العسكرية تطوعه اذا رغب بالانخراط في العسكرية تجبره على الانخراط في التجنيد الالزامي، كما دعونا في ذلك المقال الى تخفيف قيود القبول للمتطوعين وزيادة مزاياهم لرفع نسبة المنخرطين في العمل العسكري، وحذرنا من «متربحين» يسيل لعابهم للمصاريف التي سترافق قرار عودة التجنيد الإلزامي من أطعمة ومشروبات وملابس وبساطير ومهاجع بكل متطلبات العيش العسكري الكريم.
الغريب أن معظم من لم يعجبهم المقال المذكور لم تكن منطلقاتهم في تأييد عودة التجنيد الالزامي منطلقات عسكرية ولا لحماية البلاد ولا لتقوية الجيش الكويتي، بل كانت نظرتهم اجتماعية، إذ لاحظت أن الغالبية منهم قالوا ان عودة التجنيد الالزامي ستخفف من «ميوعة الشباب» وانتشار ظاهرة «الشذوذ» و«الجنس الثالث»!! والحقيقة ان هذا الامر ليس دور الجيش معالجته، فهذه الأمور تعالج منذ الصغر في المدارس والأسر، بل اعرف ان بعض الجيوش في العالم تسرِّح من الخدمة فوراً من تلحظ عليهم نوازع الشذوذ سواء الناعم او حتى غير الناعم ممن لا يتورع عن مثل هذه العلاقات الشاذة، فالجيش لا يريد مثل هذه الممارسات فيه، أضف إلى ما سبق أن أكثر مرحلة عرفت فيها الكويت مثل هؤلاء الشواذ كانت في بدايات الثمانينات حيث كان التجنيد الإلزامي في أوجه، وقد كانت مثل هذه الممارسات موجودة من الستينات والسبعينات، والدليل أن الأعمال الفنية كانت تتطرق لمثل هذه الممارسات وتحاول أن تعالجها بدءاً من الفنان القدير علي البريكي المعروف بدور (نپيييل)، وصولاً الى العمل المسرحي (فرحة أمة) الذي عرض في الكويت امام قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وكان من خطوطه الأساسية معالجة ظاهرة (الجنس الثالث) وظاهرة (البوية) وظاهرة (التدين التكفيري)، وهي ظواهر كانت ومازالت موجودة.
عموماً.. أظن لو سألوا أحدا من الجنس الثالث ان كان يرغب في الانخراط بالخدمة الإلزامية فإنه سيرحب بذلك على الفور لأنه يأمل أن يجد ضالته المفقودة في هذا المجتمع الذكوري المغلق، وستكون اجابته معبرة تعبيرا دقيقا عن المثل الشعبي القائل.. «قطو وطقيته بمصير». وبناء عليه فإن ما أرجو إيضاحه أن الجيش ليس مكانا لمعالجة الشذوذ ولا مكاناً لجمع الشواذ ولا عقاباً للجنس الثالث، بل هو مؤسسة لها احترامها ونظمها وتراثها وتقاليدها وهيبتها التي يجب الحفاظ عليها من أي خدش، وأن إدخال الشواذ إلى المؤسسة العسكرية ربما يأتي بنتائج عكسية تماماً.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
أنستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق