سامي خليفة: القطامي.. وحال رفاقه اليوم!

مع رحيل العم جاسم القطامي، أحد كبار رجالات الكويت من الذين حملوا على عاتقهم وزر تطوير النظام السياسي في دولة الكويت منذ ستة عقود مضت، نستحضر الكثير من محطات العطاء التي سجلتها هذه الشخصية المبدعة. تلك المحطات التي بدأت في الخمسينيات حين ساهم الفقيد بتأسيس حركة القوميين العرب، التي كانت تمثل امتدادا نهضويا منظما لحركة الشعوب في الشارع العربي في مواجهة بطش قوى الاستعمار الغربي، وهيمنتها آنذاك، مرورا بمساهمته الفاعلة في وضع الحراك السياسي الذي أدّى إلى وضع الدستور مطلع الستينيات، خاصة بعد خطبته الشهيرة أمام التجمع الشعبي بثانوية الشويخ، والتي وضعت النقاط على خارطة حروف المستقبل الدستوري للدولة، ومرورا بمشاركته فترتي السبعينيات والثمانينيات في دعم الحراك السياسي الشعبي، لضمان استمرار احترام الحياة الديمقراطية في البلاد، دفع خلالها الثمن غاليا، خاصة أثناء تحركات ما سمي بـ «دواوين الإثنين»، حين تعرض القطامي للحجز والتحقيق والمضايقة. وانتهاء بتأسيس الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، لتكون باكورة النشاط النقابي والثمرة الحقيقية لمجمل تاريخه السياسي والنضالي.
نعم.. كان المرحوم جاسم القطامي، شعلة نشاط ضامنة لحيوية مسار المعارضة السياسية السابقة، والتي لا يمكن أن تقارن بحال المعارضة السياسية اليوم. فقد كان القطامي يتبنى خطابا جامعا وموحدا لكل مكونات الشعب الكويتي، دون النظر إلى أي اعتبارات عرقية أو مذهبية أو عائلية أو قبلية، وهذا ما لمسته منه شخصيا من خلال احتكاكي المباشر معه في الكثير من المواقف السياسية منذ مطلع التسعينيات، إذ كانت أدبياته جامعة وطروحاته شاملة.
وكان حريصا كل الحرص على استثمار الحالة الشبابية في التحرك الوطني والسعي لإعطائها دورا مميزا في ريادة المعارضة السياسية، مع إعلان تسمية التيارات التقليدية لأجنحتها السياسية بعد التحرير عام 1991، خلافا للكثير من القيادات التي عاصرته من شتى التيارات الأخرى. بمعنى آخر كنت ألمس من المرحوم تشجيعه للشباب، وسعيه لأن يكون خلفهم فيدفعهم للأمام، عكس الآخرين ممن كانوا يجيدون فن ضمان احتلال مقاعد لهم في المقدمة، ليستخدموا النشطاء من الشباب وقودا لمسارهم السياسي والانتخابي.
ومازلت أستحضر دور المرحوم جاسم القطامي فترة الغزو العراقي، حين سعى جاهدا إلى لم شمل المعارضة السياسية الكويتية الموجودة في العاصمة لندن، ليضعهم أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية في العمل، جنبا إلى جنب مع كل القوى الأخرى الرسمية وغيرها، من أجل عودة الكويت، متناسيا كل الجروح التي تعرض لها هو شخصيا، ومعه رموز المعارضة، وذلك حين ساهمت الحكومة في قمعها قبيل الغزو، وجاءت بمجلس ليس من رحم دستور الدولة. رغم ذلك رأيته يغلّب المصلحة العامة بأسمى معانيها.
هذا هو المرحوم جاسم القطامي الذي كان مدرسة سياسية ذات طابع إنساني فريد، وكم كنت أتمنى أن يتعلم منه قادة المسار السياسي من أصدقائه ومعاصريه بالأمس، من الذين بدّلوا مواقفهم الوطنية السابقة، ليصبح جل همّهم هو الكرسي والمنصب، وإن كان ذلك على حساب مصالح البلاد والعباد. رحمك الله تعالى يا جاسم، وغمد روحك الجنة، وألهم ذويك الصبر والسلوان.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.