جاسم بودي: رسالة إلى سمو ولي العهد

سمو ولي العهد الموقر
أخاطبك بكل ما في قلوب أهل الكويت من محبة لمقامك الكبير، فسموك ما ابتعدت عنهم يوما بل كنت القريب والصديق والجار والحبيب. فتحت قلبك وعقلك قبل دارك للجميع. تصغي إلى كلامهم وتستمع إلى همومهم وتنشغل معهم في عملية البحث عن حلول، بل وتتقدم الصفوف من أجل وصول الأمور إلى حسن خواتيمها، متطلعا إلى إرضاء الله تعالى وإرضاء عباده، ومنسجما مع ما عاهدت نفسك عليه لخدمة الكويت والكويتيين.
هكذا كنت يا سمو ولي العهد عندما تسلمت أول منصب رسمي لك، وهكذا أنت اليوم في موقعك المساند لصاحب السمو الأمير في ولاية العهد وأنت على العهد دائما… ولذلك تقبل رسالتي إليك وأعتقد أن كثيرين يتقاسمون معي كتابتها.
سمو ولي العهد، أخاطبكم بصفتكم وليا للعهد وبصفتكم رئيسا لمجلس أسرة الصباح الكريمة الذي تشكل بأمر أميري لتحقيق أهداف عدة أهمها الترابط بين أبناء الأسرة وتماسكهم ووحدة موقفهم تجاه القضايا العامة، وتأهيل العناصر الشابة لحمل المسؤوليات ومراقبة السلوكيات ووضع حدود لكل من يسيء إليها أو إلى سمعة الكويت، والتخطيط لدور الأسرة وتنظيم علاقة أفرادها ببعضهم بعضا أو بسائر المواطنين… باختصار يا سمو ولي العهد، فإن صاحب السمو الأمير أولاكم مسؤولية كبيرة للتأهيل والتطوير والتجديد والحفاظ على الصورة العامة للأسرة في الإطار الذي نعرفه من الأخلاق والعلم والود والتواضع والمثل العليا والقدوة للآخرين كونها أسرة الحكم الذي ارتضاه الكويتيون في العقد والعهد.
وربما كان قدرك يا سمو ولي العهد أنك ترأست مجلس الأسرة في ظرف سياسي متقلب أراد فيه كثيرون من أبنائها لعب أدوار خاصة وشخصية تحقق طموحاتهم وتمكنهم من حيازة مناصب ليس من خلال معيار الكفاءة وإنما من خلال ممارسة سياسات ننزه الأسرة عنها تماما، مثل الضرب تحت الحزام وتكوين استقطابات نيابية والمشاركة في الصراعات السياسية على حساب النظام العام والإساءة إلى أقربائهم من أبناء الأسرة في مناصب معينة سعيا إلى تدمير سمعتهم وأزاحتهم مما يعتقدون أنه طريق السلطة والنفوذ.
ولا داعي للتذكير يا سمو ولي العهد ورئيس مجلس الأسرة بممارسات بعض أبناء الأسرة في قطاعات مختلفة، فأنتم على بينة تامة من تأثير صراعات هؤلاء على الشأنين البرلماني والحكومي، وعلى إطلاع مستمر على تصريحات نواب ووزراء سابقين عن الحرب التي كان بعض أبناء الأسرة يديرها مباشرة أو بالواسطة.
لكن ذلك كله يا سمو ولي العهد، واعذرني على صراحتي، لا يحل بالنيات الصادقة فقط أو الإجراءات المسكنة، فنحن هنا لسنا أمام خلل في ادارة عامة أو مؤسسة خاصة أو وزارة… نحن أمام تجاوزات يقوم بها بعض أبناء أسرة الحكم أي مؤسسة الحكم، أي العمود الفقري الذي يقوم عليه جسد السلطة في الكويت، ولذلك فالمعالجات التقليدية لا تستقيم ولا بد من إجراءات أكثر حزما كي لا يتمادى آخرون وتنخدش صورة الأسرة كقدوة.
وأصدقك القول يا سمو ولي العهد إن المعالجات التقليدية السابقة لم تحسم ولم تردع، وها نحن أمام تصرفات وممارسات وتصريحات جديدة لبعض الصغار من أبناء الأسرة يتهجمون فيها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على الديوان الأميري نفسه ويشككون بهذا وذاك ويذكرون أسماء بعينها ويتهمون شيوخا بأنهم خانوا الأمانة و… و… و…
نحن نعرف أن المتجاوزين قلة في الأسرة، ونعرف أن ممارسات من أوليتموهم الثقة سابقا هي التي شجعت هؤلاء المتجاوزين الجدد، ونحن نعرف أن الأسرة هي القدوة ويجب أن تبقى كذلك وأن ينأى ابناؤها عن الوقوع في فخ الإساءة والتجاوز، ونعرف أن الانسان خطاء وأن الكمال لله وحده، لكن تكرار هذه التجاوزات وخروجها إلى العلن بالشكل الذي رأيناه سيعطي صورة سلبية جدا داخل الكويت وخارجها ويشجع آخرين على رفع سقف النقد والانتقاد ويضعف هيبة السلطة.
من الطبيعي أن يتعرض أي فرد من الأسرة يتبوأ منصبا عاما إلى الانتقاد من قبل أعضاء السلطة الثانية أو السلطة الرابعة مثلا، لكن الانتقاد يكون على الاداء وتحت السقف الذي حدده القانون والدستور، أما ما يجري حاليا من سجالات بين بعض صغار أبناء الأسرة فقد تعدى كل الحدود واخترق الخصوصيات ونقل التباين الحضاري في وجهات النظر إلى منطقة الاتهامات واللغة الجارحة.
ويا سمو ولي العهد، عندما نخاطبكم فانما نفعل لأننا وإياكم أعضاء عائلة واحدة اسمها الكويت، فمجلس الأسرة الذي شرفكم سمو الأمير برئاسته نص على وجوب عقد جلسات مستمرة وبناء على طلبكم كلما دعت الحاجة، وعلى وضع عقوبات ضد من يسيء إلى الأسرة وسمعة الكويت تبدأ من لفت النظر وتنتهي بالحرمان من كل المزايا بما فيها تبوؤ مناصب عامة وإسقاط العضوية، والأهم من ذلك أن سلطتكم المعنوية كولي للعهد ورئيس للمجلس وأحد أقرب أعضاء أسرة الحكم من قلوب الكويتيين كلها أمور تسمح لنا أن نطلب من سموكم وضع حد للتجاوزات التي استشرت وتستشري داخل الأسرة ومعاقبة كل من تسول له نفسه بالخروج على القيم والأعراف والآداب العامة ومحاسبة كل من شجع على تكريس وضع لم تعرفه الأسرة ولم تعرفه الكويت لأن الدخان الاسود أساسه يد أشعلت النار… وقد تمتد هذه النار لتحرق (لا سمح الله) ما بني عبر أكثر من 300 سنة.
سمو ولي العهد، أشكر لكم تكبدكم عناء قراءة رسالتي (ورسائل كثيرين غيري) وأشكر لكم يقينكم بأنها كتبت بحروف النيات الحسنة، وأشكر لكم مسبقا رفضكم لسماع كيد بعض الوشاة الصغار لأنكم أكبر مقاما بكثير من ذلك وتضعون دائما في اعتباركم أننا في مركب واحد وأن حرصنا على أسرة حكمنا لا يقل عن حرص أبناء الأسرة أنفسهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جاسم بودي
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.