تلاشت حظوظ الضربة الأميركية المحتملة على سورية بعد مجزرة الغوطة بريف دمشق والتي وقعت أحداثها في 21 أغسطس الماضي وسقط نتيجة لها المئات من القتلى والآلاف من المصابين، تراوحت معها درجة خطورة إصاباتهم. فآخر مجريات الأحداث، كان بخبر بثته وكالات الأنباء العالمية عن اتفاق بين كل من رئيس الوزراء الأميركي والروسي، على خطة لإزالة الأسلحة الكيمياوية السورية تمتد إلى منتصف العام المقبل، على أن تقوم سورية بتقديم كشف مفصل عن كل ما تمتلكه من أسلحة مقابل أن يوافق مجلس الأمن على وضع سورية تحت طائلة الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة، إذا لم تلتزم سورية بتنفيذ الاتفاق المعلن.
واقعيا، لم تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من الحصول على الموافقة الدولية المطلوبة التي قد توفر لها الغطاء الشرعي اللازم في تنفيذ الضربة العسكرية المحتملة. ويبدو أن الاتفاق الدولي المطلوب، قد لا يكون مهما بالسابق، إلا أن فشل التجارب الأميركية الأخيرة في حروبها، جعلها في موقف محرج في مواجهة المجتمع الدولي في معالجتها للقضايا المختلفة خصوصا إذا ما رغبت في اختيار الحلول غير السلمية.
كما أن القيادة الأميركية تواجه بين الفينة والأخرى موجات غضب شعبية داخلية عارمة من جراء دخولها في حروب متتالية أرهقت ميزانية الدولة وكلفتها مليارات الدولارات، قد لا يراها المواطن الأميركي البسيط كما يجدها البيت الأبيض مهمة للحفاظ على الدور الأميركي في قيادة العالم في عصر أحادية القطبية بعد زوال القطب الآخر، الاتحاد السوفياتي. ولعل هذا الغضب بدأ يزداد نتيجه لما يعانيه الاقتصاد الأميركي من تراجعات من جراء الأزمة المالية العالمية الأخيرة وما صاحبها نتيجة لذلك من ارتفاع لمعدلات البطالة وتدن لمستويات المعيشة وغيرها من الآثار التي لم تنجلِ بعد.
كما أن التجارب الأميركية الأخيرة في كل من أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى ما عانته الدول العربية التي عاشت شعوبها الربيع العربي وما تبعها من تجارب ديموقراطية طالها الفشل لأسباب مختلفة، هذا بالإضافة إلى عدم وجود قيادة سورية قوية ومتماسكة ومتفقة لقيادة المرحلة الانتقالية في حالة إسقاط نظام الأسد، جعلت أميركا تتردد كثيرا في استخدام القوة في معالجة الملف السوري.
ولأن المصالح الأميركية في المنطقة مرتبطة بالكيان الصهيوني، فإن أميركا متخوفة اليوم من البديل المحتمل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن النظام السوري لا يشكل أي خطر على إسرائيل، بالإضافة إلى ما يمكن أن يحدثه النظام الجديد من اختلالات في موازين القوى في المنطقة، خصوصا أن جميع البدائل السابقة في الدول التي صاحبها موجة التغيير من جراء الربيع العربي، كانت بدائل إسلامية بحتة قد لا تتناسب مع توجهات وأهواء الإدارة الأميركية.
ولعل الجميع متيقن بأن الرغبة الأميركية المفاجئة في مواجهة نظام بشار الأسد، لم تتولد لولا استخدام السلاح الكيماوي في مجزرة الغوطة، لأن الواقع يقول ان حجم الضحايا والمصابين والمشردين منذ اندلاع الأزمة السورية حتى يومنا هذا، لا يعادل شيئا مقابل ما نجمت عنه أحداث الغوطة. لذلك، لم يكن يعني لأميركا شيئا أن يموت الآلاف ولكن كل ما يخيفها في الواقع هو استخدام السلاح الكيماوي فقط.
السؤال لماذا؟ بكل بساطة، ان السلاح الكيماوي هو أحد أسلحة الدمار الشامل بالإضافة إلى السلاح النووي والبيولوجي وأن مرور حادثة الغوطة دون تحرك أميركي جاد، قد يعني لدى أعداء أميركا الضوء الأخضر في استخدام أي من الأسلحة المذكورة دون محاسبة دولية من استخدام تلك الأسلحة المحرمة بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، هذا بالإضافة لما قد يكون لذلك من تهديد مباشر لأمن وسلامة بلاد العم سام من أعدائها المباشرين.
ختاما، لا يهم أميركا أمن سورية وسلامة شعبها ولا دم أبنائها المهدور، فكل ما يعنيها هو الإمساك والتحكم بقواعد اللعبة السياسية الدولية وفي السيطرة على مركز القرار العالمي وتوجيهه على حسب مصالحها غير آبهين بحرمة دماء البشر!
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق