زعموا أن ثورتهم قامت لمحاربة الفساد والظلم والفقر والجوع الذي تسبب به شاه ايران, وزعموا, ايضا, أنهم يريدون السلام والاستقرار للمنطقة وتغيير دور بلادهم في الاقليم من شرطي يحمي المصالح الامبريالية واسرائيل الى قوة تنموية تساعد على الرخاء والتقدم, لكن ماذا فعل ملالي نظام طهران منذ تسلمهم السلطة وحتى اليوم?
افتتحوا عهدهم بالاعدامات الجماعية وتقييد الحريات وضرب الاقتصاد الايراني وافتعال خلل في العلاقات الطبقية الاجتماعية, ورفعوا شعار تصدير الثورة, متبوعا بشعار تحرير القدس بدءا من البصرة العراقية, واستعادة كربلاء والنجف, فكانت حربهم التي دفعوا اليها مئات آلاف الايرانيين الى الموت المجاني طوال ثماني سنوات, وكبدوا فيها المنطقة ثروات هائلة في العسكرة والتسليح على حساب التنمية, فزاد الفقر ومعه ارتفعت معدلات الهجرة, وانتشرت الجريمة في المجتمع الايراني.
اعلن حكام ايران الحرب على من اسموها الشيطان الاكبر, وربيبتها في المنطقة الشيطان الاصغر, فلا هم كفوا يد ذاك الشيطان ولا حاربوا من تحتل القدس التي جعلوا لها يوما سنويا للاستعراض العسكري على غرار جيش القدس الاستعراضي الصدامي, فيما تهويدها تواصل على قدم وساق, ولم تطلق ايران صاروخا واحدا من قائمة صواريخها الاستعراضية على اسرائيل, بل بدلا من ذلك كانت سياساتهم السبب في المزيد من الوجود الاميركي في الشرق الاوسط, وتعاظم التعاطف الغربي مع اسرائيل والتخلي عن مناصرة الشعب الفلسطيني وقضيته.
بث الحرس الثوري الايراني خلاياه التخريبية وجواسيسه في شتى انحاء المنطقة, واسس ميليشياته الطائفية في العراق ولبنان, وسعى الى حرب مع المملكة العربية السعودية عبر وكلائه في اليمن, ووقف ضد مملكة البحرين في سعيها الى حماية امنها واستقرارها, فيما كرس احتلال الجزر الاماراتية باعلانه ضمها الى ايران, وهو ما لم يجرؤ الشاه في عز قوته عليه, فماذا استفادت طهران من كل ذلك? ألم تخسر جيرانها ويتعاظم نبذ شعوب الاقليم لشعبها?
هذه القلة التي احيت مشاريع الفتنة الطائفية توهمت في لحظة غرور انها قوة عظمى تستطيع الوقوف في وجه العالم اجمع ومضت في طريق التحدي على حساب شعبها الذي يعيش نحو 59 في المئة منه تحت خط الفقر, واعادت الروح الى مشروع الشاه النووي مقدمة بناء المفاعلات النووية على اطعام شعبها المحروم من ثرواته المصروفة على عصابات الارهاب والتخريب والتجسس والتهريب في شتى انحاء العالم.
ماذا فعل قادة نظام طهران في 34 عاما من وجودهم في حكم واحدة من اكبر دول الشرق الاوسط? اين التنمية التي حققوها لشعبهم? هل في دفعهم الملايين الى الهرب من بطشهم, ام في وجبات الاعدام الجماعي التي تنفذ ضد كل من يحاول انتقاد سلوك حفنة مهيمنة على مقدرات ايران?
اغرب ما في المشهد الايراني قمع الملالي الدموي حركة الاحتجاج الواسعة على تزوير الانتخابات الرئاسية في العام 2009 ومسارعتهم فيما بعد الى مناصرة ثورات الربيع العربي التي دعموا فيها جماعة الاخوان المسلمين على حساب خيارات الشعوب في ليبيا ومصر وتونس وغيرها من الدول العربية, وحين رأوا تلك الشعوب تنتفض على جماعة الافك وقفوا بعنف ضد ثورة الشعب المصري في 30 يونيو الماضي, ألا يعني ذلك ان طهران كانت تسعى الى ايجاد مسخ مشوه من نظامها القمعي في تلك الدول? هل يعقل لمن قمع انتفاضة سلمية في بلاده بكل ذاك العنف أن يناصر ثورات شعبية حقيقية?
ايران الفقيرة المعزولة, المتحدية المجتمع الدولي في برنامجها النووي ألم تسأل نفسها بماذا نفعت القنبلة الذرية كوريا الشمالية? وهل استطاعت اسرائيل بأكثر من مئتي رأس نووي ان تحمي نفسها, ام تحول كل ذلك عبئا على بيونغ يانغ وتل ابيب, ففيما الاولى تستمر في طريق التحدي يزداد شعبها فقرا وتزداد عزلتها الدولية, بينما الثانية استطاعت كسب دول العالم الى صفها في العديد من المواقف, على حساب العرب والمسلمين لأنها عملت على بناء علاقات جيدة مع الأسرة الدولية.
بات على قادة ايران ان يدركوا بعد ثلاثة عقود من محاولاتهم الفاشلة لما يسمى تصدير الثورة انهم لن يستطيعوا تغيير هوية الاقليم, ولن يتمكنوا لا من حكم العراق أو لبنان أو سورية مهما فعلوا, وان يدركوا انهم دولة محدودة القدرات لا تستطيع ان تكون قوة عظمى تواجه القوى العظمى الحقيقية, بل عليهم النظر مليا في رد الفعل الدولي على تصريحات رئيسهم الجديد المعتدلة, لان العالم يفهم لغة العقل التي تؤسس لعلاقات طيبة بين دوله, فقوة الدول الحقيقية في علاقاتها وليس في عسكرتها ودمويتها, فهل ايران مع الشيخ حسن روحاني ستقرأ من كتاب العقلانية في العلاقات الدولية?
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق