إسلامي بس منفتح.. امرأة بس أخت رجال، سمرا بس حلوة، هندي بس ذكي، وافد بس غني، فنانة بس شريفة، خليجي بس متفوق بالدراسة، مطوع بس ينكت، متزوج بس يغازل، غير محجبة بس محترمة، محجبة بس «رايحة فيها»، عانس بس «مو معقدة»، مطلقة بس محترمة، فنان بس «ما يشرب»، عبد بس أصيل بتصرفاته، ناجح بس ما يغش بالامتحان، مثقف بس غبي، بنت بس «تسوق زين»، غني بس يخاف الله، تاجر بس «مو حرامي»، فقير بس أيضا «مو حرامي»،…إلخ.
*** *** ***
وتستطيع طبعا أن تضع وراء هذه الـ «إلخ» عشرات الصفات والمسميات المزدوجة والمتناقضة غالبا التي تفصل بينها كلمة «بس»، بمعنى «لكن»، في سياق الأحاديث التي يتداولها أفراد المجتمع. ليس مجتمعنا المحلي وحسب، بل معظم مجتمعاتنا العربية التي يحب أفرادها أن يمارسوا الدور المثالي في حياتهم فتنكشف خفرات قلوبهم ليس بزلات ألسنتهم وحدها بل باساليبهم المعتادة في الكلام.
إنها «ثقافة مجتمع» تسود بين أفراد المجتمع لتتناقض مع قيم الثقافة نفسها ومع القيم التي يعلن المجتمع نفسه أنه يشجع عليها ظاهريا فيما هو غارق تماما بمستنقعات التناقض فيها.
*** *** ***
كلنا، من دون استثناء، استخدمنا يوما ما، من حيث ندري أو لا ندري، واحدا أو أكثر من هذه التعبيرات، أحيانا للتدليل على معرفتنا بالآخر واستقصاء كل صفاته الظاهرة والخفية كما نعتقد، وتقديمها بشكل مجاني للآخر «الثاني»، وأحيانا فقط كطريقة معتادة للكلام المرسل في أي حوارات مشتركة، وغالبا من دون أن نلوم أنفسنا حتى بعد أن نكتشف ذلك التناقض الرهيب فيما نقول ونفعل، وفيما نؤمن به في الحقيقة وما نحاول أن نظهر وكأننا نؤمن به أمام أنفسنا وأمام الآخرين.
انه نوع من التفكير الاقصائي في أقسى أشكاله، وأنعمها أيضا. أقساها نسبة لفجاجته الظاهرة، وفظاظته التي ينكسر من أجلها منطق اللغة ذاتها. وأنعمها لأننا نقوم به بسلاسة واطمئنان نتيجة للتواطؤ الرهيب الذي يحدث في ما بين القائل والمتلقي لهذا القول الأعوج على صعيد الوعي.. واللاوعي أيضا.
فنحن عندما نصف شخصا ما بصفة معينة، إيجابية أو سلبية وفقا لمقاييسنا أو مقاييس المجتمع الاخلاقية العامة، ثم نردفها باستدراك سريع مناقض لها كما يبدو وفقا للمقايس نفسها ـ، فإننا نريد أن نثبت موضوعيتنا أو ربما عدالتنا في إصدار الأحكام. ولكننا في الحقيقة نمارس تخفلقا معرفيا عالي المستوى.
فعندما نقول عن شخص معين أنه هندي ثم نردف بصفة ذكي يعني تبدو العبارة متسقة معرفيا وأخلاقيا، لكن عندما نفصل بين الصفتين بكلمة «بس» الاعتراضية أو الاستدراكية فإننا في واقع الأمر، وبقصد مسبق منا، نبني جدارا عنصريا عازلا ما بين الصفتين، وكأننا نقول، ان الهندي في العادة، دائما يكون غبيا، لكن من نتحدث عنه شخص خارق لتلك العادة أو الطبيعة البشرية، فهو ذكي.
وهكذا في بقية الأمثلة التي تجري على ألسنتنا بشكل طبيعي ومريح، وأحيانا نتخذ منها عكس حقيقتها تماما. أي أننا نحاول أن نبدو من خلالها بشرا متحضرين وغير خاضعين للقيم العنصرية. فعندما نريد أن ندلل على عدم تفريقنا المعياري بين الرجل والمرأة على صعيد الأخلاق مثلا فيما يبدو مديحا في المرأة نقول انها امرأة «بس» اخت رجال، ونتجاهل أننا بذلك وفي مقابل أن نمدح امرأة واحدة فقط فإننا نذم النساء جميعا!
وهكذا في بقية الأمثلة التي لا يمكن حصرها في هذا المقال السريع، لكن جربوا أن ترصدوها فيما تشاركون به من حوارات عادية وبريئة في مظهرها الأولي.. اليوم مثلا على الأقل.. وستدهشكم النتيجة.
سعدية مفرح
@saadiahmufarreh
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق