• مع دخول حقبة التسعينيات من القرن الماضي بدأت الحصانة المطلقة المفترضة للحاكم المستبد تتراجع وتتلاشى شيئاً فشيئاً. والمؤكد أن ذلك الانكشاف المتسارع لحصانة الطغاة لم يأت من فراغ، كما أنه لم يكن قد تطور برغبة وتسهيل من القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، ولكنه جاء ضمن تراكمات فعاليات دولية ضاغطة، أغلبها كانت مناشط منظمات غير حكومية، وزيادة الاهتمام العلمي الأكاديمي في رفد المنظومة الحقوقية بالمعرفة والبحث المستمر، ونشوء ثقافة حقوقية جمعية تتزايد باضطراد ملحوظ، وقد استمرت تلك الفعاليات على مدى سنين طوال ناهزت الثلاثة عقود.
• ومما يلاحظ أن الكثير من أهل الرأي منشغل بالتشابكات السياسية التقليدية، وصراع القوة والنفوذ التقليديين، وبالتالي تهميش التطور الحقوقي، وعدم التعامل معه بجدية، وبالذات ما يتعلق منه بمحاسبة الطغاة والحكام المستبدين، وهو الجانب الأكثر تطوراً من القانون الجنائي الدولي، بدءاً بإنشاء المحكمة الخاصة بالبوسنة والهرسك، وانتهاء بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، وإصدارها لأول أحكامها.
• في هذا الإطار سأحضر المحاكمة التاريخية لرئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور يوم الخميس المقبل في لاهاي بهولندا، لأتعلم وأشارك في اللحظات التاريخية التي أراها أهم بكثير من التطور السياسي التقليدي. وكان حكم ابتدائي قد صدر على تايلور بالسجن خمسين سنة، ثم استأنف الدفاع طالباً تخفيضها إلى عشرين سنة كما استأنف الادعاء طالباً تشديد العقوبة إلى80 سنة. المحاكمة جزء في سلسلة محاكمات تصب كلها في تقويض مفهوم “الإفلات من العقاب”، وتأسيس قواعد حاكمة للتعامل مع الطغاة ومجرمي الحرب، والمجرمين ضد الإنسانية.
• الملاحظ أيضاً أن من يحمي الطغاة والمجرمين ضد الإنسانية من المحاسبة هو التسويات السياسية التي ينجح فيها عادة أولئك الطغاة في الخروج الآمن، بمباركة حكومات وقوى سياسية، كما حدث مع ديكتاتور تشيلي السابق أوغستوس بينوشيت، على سبيل المثال لا الحصر. وسأنقل لكم تفاصيل المحاكمة والدروس التي أتوقع أن تكون مفيدة للطغاة كي يكفوا عن امتهانهم للناس.
• هناك مجموعة مؤشرات في الملف السوري سأعالجها حين أستكمل تجميع المعلومات حولها، وملخصها أن هناك احتمالاً للتوصل إلى صفقة كبرى في الشق السياسي وتوزيع جديد لموازين القوى بما في ذلك ادماج الملف الإيراني والعراقي واللبناني، وهي رؤية معقدة، ولكنها باتت مطروحة على مائدة المفاوضات. المأساة أن من ضمنها “إفلات من العقاب” بأعلى أو بأدنى مستوى، لا فرق.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق