أحمد الجارالله: ديبلوماسية روحاني وألغام الحرس الثوري

تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة, ومعها أيضا تصريحات مرشد الجمهورية علي خامنئي مرحب بها خليجياً, “لقد مضى عصر الصراعات الدموية” كما قال روحاني, وهو ما يجب ان يتكرس سلوكا ليعبر عن ادراك ايراني بعدم القدرة على اخضاع المنطقة بالقوة النووية لمشيئة طهران, هذه القوة التي اوصلت كل من تباهى بها الى طريق مسدود, كما هي حال كوريا الشمالية المحاصرة والمعزولة دوليا منذ سنوات طويلة جراء تمسكها ببرنامج نووي عسكري.
ان تقتنع القيادة الايرانية, كما قال روحاني في مقالته الاخيرة, المنشورة في العديد من صحف العالم, بالسعي الى” تحويل التهديدات فرصا, والمشاركة مع النظراء, على اساس المساواة والاحترام المتبادل لمعالجة المخاوف المشتركة وتحقيق الاهداف المشتركة”, فذلك يفترض فيها اثبات الاحترام بحسن العلاقات الديبلوماسية مع العالم, لا بالتهديد بحروب الابادة الجماعية, ولا بالأعمال الارهابية فهذه كوريا الشمالية لم تستطع اخضاع اي من جيرانها بمنطق الاستقواء بالسلاح النووي, بل اثبتت التجربة انها كلما هددت بالحرب ينقشع غبار ذلك عن وهن وضعف وعن صواريخ استعراضية فقط.
الم تفتح بيونغ يانغ ابوابها امام المفتشين الدوليين وتدمير بعض ترسانتها النووية حين احتاجت قمحا لاطعام شعبها, وعندما عادت سيرتها الاولى أُغلقت عليها الابواب وغرق الشعب بالمجاعات والعوز, فماذا أفادها كل ذلك؟
كذلك اسرائيل التي تنام اليوم على نحو مئتي رأس نووي ماذا استفادت منها؟ الم يقل ديفيد بن غوريون في افتتاح مفاعل ديمونة عام 1963: “ليس مهما أن يكون لدينا قنبلة نووية, فهذا لن يفيدنا أبدا, بل المهم أن نزعزع امن مصر وسورية والعراق, ونهز العصا لدول الاقليم, عندها فقط نطمئن إلى وجودنا وقوتنا في أرض الأجداد”؟
سلاح اسرائيل النووي مكدس في المخازن لا قيمة له, فيما تل ابيب استطاعت بديبلوماسيتها مع العالم ان تكسر الحصار العربي المفروض عليها, وتؤمن غطاء دوليا لأمنها وحتى عدوانها, وهي في الاصل كيان ما كان ليوجد لولا الديبلوماسية العربية التعيسة التي لم تعرف كيف تخاطب العالم في العام 1948.
لهذا نحن في الخليج نتمنى ان تدرك القيادة الايرانية, و لو متأخرا, ان العلاقات الديبلوماسية الحصيفة القائمة على التفاهم وتبادل المصالح هي القوة الحقيقية, ولا سيما مع دول الجوار. للأسف ان قادة طهران السابقين لم يسألوا أنفسهم ماذا استفادوا من توتيرهم العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت وبقية دول الاقليم؟ وبماذا نفعهم ايضا تدخلهم السافر في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين, الم يزد كل هذا من العداء بينهم وبين جيرانهم, وجلب لهم المتاعب الاقتصادية جراء تهديداتهم الدائمة باغلاق مضيق هرمز واشعال المنطقة؟
لذلك عندما نسمع صوتا عاقلا يتحدث عن سياسة ايرانية جديدة في التعامل مع المحيط والعالم نستقبله بالترحاب, لان الستراتيجية الايرانية القائمة على منطق تصدير الثورة والتشيع لن تجدي نفعا ابدا, والمثال على ذلك الدولة الفاطمية في مصر التي استمرت 200 عام, وانشأت الازهر الشريف بقصد تشييع المصريين, وفي نهاية المطاف الى ماذا انتهت؟ الى احتفال المصريين بعاشوراء, اليس كل المسلمين يحتفلون بعاشوراء, اليس الحسين حفيد رسول المسلمين جميعا؟
منذ اكثر من 1400 عام قال الله في سورة الفاتحة “الحمد لله رب العالمين”, و لم يقل انه رب المسلمين وحدهم او المسيحيين, ولا رب السنة او الشيعة, انه رب العالمين كلهم على اختلاف مذاهبهم واديانهم ومشاربهم, و وحده عز وجل الذي يحاسب الناس على ايمانهم والحادهم, ان الله سبحانه وتعالى لم يدع الى الحروب على اسس عقائدية, فلماذا نتحارب في الارض على السماء, دعونا نعيش كل على سنته وعقيدته والله سيجازي كلاً منا على اعماله.
لنتعلم من اوروبا حيث اريقت ولعشرات السنين دماء الابرياء بسبب الصراعات الدينية, وفي نهاية المطاف ايقن الجميع ان لا طائل من ذلك, واتجهوا الى بناء دول حقيقية منسجمة ومتفقة, بل هي اليوم وبعد نحو ستين عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية دخلت في اتحاد ذابت فيه العرقيات واللغات والانتماءات الدينية لتشكل هوية اوروبية واحدة يعتز بها الالماني تماما مثل الفرنسي والايطالي والاسباني وغيرهم من الاوروبيين.
نكرر القول: تصريحات خامنئي وروحاني هي محل ترحيب من الجميع, ونأمل, بل نتمنى الا يخرج علينا احد قادة الحرس الثوري لينسف النهج الجديد كما تعودنا ذلك مع السياسة الايرانية السابقة, وكأننا امام دولة منفصمة الشخصية او ناسخ ومنسوخ.

أحمد الجارالله

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.