بكل حرقة وكل ندم.. هز رأسه امامي وقال اعترف اننا – الصحافيين – كنا سببا مباشرا في تأجيج كثير من القضايا وتصعيد المواقف.. ونحن من صنع كثيراً من الدمى التافهة ابطالاً.. أنا شخصيا كنت صغيرا بالسن.. تأخذني الحماسة.. وتشعلل فيني تصريحات بعض النواب نار التفوق والتميز.. اما ادارة الجريدة التي كنت اعمل فيها يوما من الايام فلم تدقق ولم تراجع.. وتركت لنا الصفحات الاولى والمتخصصة نكتب فيها ما نشاء ونكبر الاسطر ونصغرها حسب طيشنا الصحفي.
جلس امامي واعترف بما كان يجب ان يعترف به منذ سنوات حين كنت اتهمه هو ورفاقه وادارة جريدته.. بانهم السبب الاول والمباشر في تأجيج الشارع وفرقة الشعب.. وهو ما زال بعضها يمارسه للاسف إلى اليوم لكسب القراء.. من خلال تضخيم كلمة وفرد عنوان ونشر صورة وتخصيص صفحات كان من الاجدى والانفع ان تفرد لموضوع ثقافي او علمي.. ولكن الناس عايزة كده.
سألته: ألم تكونوا تعون ما يمكن ان يؤدي اليه هذا الطيش الصحفي والصبينة الاعلامية؟.. قال: لا.. ولكننا ايضا لم نجد من يهدئنا ويعقلنا من ادارة تلك الصحف.. فكان همهم الاول والاخير ان يبيعوا.. واذا باعوا سجلوا رقما ومن ثم انهالت الاعلانات عليهم.. واذا زادت اعلاناتهم زادت ارباحهم.. اما ماذا تسببوا في الشارع الكويتي.. فذلك اخر اولوياتهم وهمهم.
وهنا تكمن خطورة الاعلام بكل انواعه.. فاستضافة من لا يضيف شيئا لاي موضوع خلاف على الساحة على شاشات محطاتنا الارضية والفضائية.. وطرح أي سؤال لا يكون بمكانه.. والهمس بالسماعات من غرف الكنترول إلى المحاور او بعض الضيوف المحسوبين عليهم بتأجيج اللقاء وشعللة الحلقة باتهام هذا او الادعاء على ذاك.. هي اعواد الكبريت التي تقذف هنا وهناك على ارض سال عليها الوقود.. فتشعل النار وتتسع رقعتها إلى ان يصعب اطفاؤها ويستحيل محاصرتها.. .وهذا للاسف ما يحصل في بعض المحطات التلفزيونية والصحف الرخيصة الخاوية.
وكما كان يفعل النواب في مجلس الامة عندما يتصارعون كالديكة في المجلس ويلعن احدهم الآخر.. ويسبه ويقذفه بأعتى الكلمات.. فيتحامل المواطن الكويتي السني على الشيعي والحضري على البدوي والعكس.. ثم يخرج النائبان المتعاركان بعد الجلسة وقد تأبط احدهما ذراع الاخر ضاحكين مبتسمين.. فتلك ايضا صورة من صور عدم المسؤولية وعدم الادراك لتداعيات ما يقوله كل واحد منا في المكان الذي يشغله والمنصب الذي يحتويه.
اعتقد ان ما يحصل على الساحة الكويتية اليوم سياسيا وقضائيا وبرلمانيا واعلاميا.. هو شكل من اشكال الثورة التصحيحية التي سترهقنا بعض الوقت ولكنها بالتأكيد ستصحح مسارا وتعيد اولويات اختلطت يوما من الايام.
بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية حل مجلس 2009.. وما سيترتب عليه من اجراءات حكومية وبرلمانية طويلة تعيدنا للوراء زمنيا تارة وتسحبنا للامام تارة اخرى لتأسيس منهج فكري في اطار العمل السيادي والسياسي.. وجدية التعامل مع موضوع الاقتحام الكريه لمجلس الامة الذي ارعب الامة بكاملها.. وامتناع بعض الصحف من نشر بيان ما يسمى ببيان الاغلبية لفظاظة وخطورة ما ورد فيه.. فذلك قد يكون مؤشرا لحالة التصحيح التي يجب ان تستمر بكل شجاعة وقوة.. فقد ضاع ما ضاع من وقتنا وكرامتنا وهيبتنا ما يكفي.. وحان الوقت للاحتفاظ بما تبقى واعادة بنائه لبنة لبنة.
إقبال الأحمد
Iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق