المملكة العربية السعودية ليست مجرد دولة على الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية, بل هي لاعب سياسي وحضاري واقتصادي مهم, كما أن هذه القارة مدرسة في العلاقة بين القيادة والشعب, منها يولد الاستقرار الحقيقي للمجتمع, ولذلك كانت ولا تزال أرضا ولادة لقيادات, تعايش بحق هموم واهتمامات شعبها.
طوال ثمانية عقود أبحرت سفينة المملكة بقوة قيادتها الحكيمة التي قامت على الايمان الراسخ بأن بناء الاوطان يحتاج إلى تضحيات مستمرة, فكما كانت عزيمة الملك المؤسس عبدالعزيز قادرة على قهر الصعاب بثلة من الرجال انطلقوا من الكويت في العام 1902 لتحرير الرياض وبدء مشروع توحيد المملكة – الذي استمر ثلاثة عقود من الكفاح إلى أن اعلنت في هذه القارة الكبيرة الدولة الموحدة في العام 1932- استمرت مسيرة البناء والتنمية وتسخير ثروة البلاد لرفاهية وتقدم المجتمع وتطوره.
هذا النهج الذي أرساه الملك المؤسس سار عليه أنجاله من بعده, الملك سعود الذي في عهده بدأت أوسع عملية لبناء المؤسسات, واستكملها الملك فيصل جاعلا الكفاءة معيارا للعمل, ليأتي من بعده الملك خالد ويستكمل مسيرة التحديث الاداري والاقتصادي.
هذا الإرث الذي يتناقله الأبناء جعل المملكة تحتل مكانة مهمة في الاقليم والعالم, ليس فقط لأنها تضم الحرمين الشريفين حيث تهوي افئدة الناس من كل حدب وصوب, بل لأن قادتها ادركوا منذ البداية أن أمة لا تتفق على موقف واحد تبقى في مؤخرة الركب الحضاري, لذلك عمل الملك فهد بن عبدالعزيز في عهده على الاستمرار في تحديث الدولة والبحث عما يخدم شعبه, وكذلك السعي إلى جمع كلمة المنطقة والعالمين العربي والاسلامي, وهو دور عظيم جدا, كان من ثمراته أن هيأ للكويت في العام 1990 الطريق لتحريرها من براثن الاحتلال الصدامي.
المملكة ليست نفطا فقط, إنها دور حضاري أيضا, وهذا ما حرص الملك عبدالله بن عبدالعزيز على إظهاره إلى العالم, أكان في سلسلة المشاريع الانمائية الضخمة التي نُفذ بعضها وجار تنفيذ البعض الآخر, أو من خلال أكبر حركة ابتعاث علمي إلى الخارج للطلاب السعوديين, أو عبر مبادراته التي طرحها على الصعيد العالمي وأهمها الحوار بين الثقافات والاديان, أو على مستوى الاقليم والعالم العربي وسعيه الدائم الى توحيد كلمة أبناء المنطقة.
هذه الانجازات ما كانت لتتحقق في العقود الثمانية الماضية لولا وجود قيادة رشيدة تؤمن بأن استمرار السعي لتأمين مصالح الناس وتوطيدها أساس نجاح الدول وإن أقصر الطرق إلى ذلك سياسة الابواب المفتوحة حيث تَلمُّس هموم الناس ومشكلاتهم والاطلاع على مظالمهم وحلها من دون وسطاء, لذا ليس غريبا على أبناء المملكة التواصل المباشر بين الحاكم والمحكوم, أكان من خلال مجلس الملك أو ديوان ولي عهده ودواوين الامراء والمسؤولين كافة.
هذا النهج عبر عنه ولي العهد الامير سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي أثلجت بالأمس صدور الخليجيين كافة قبل أن تثلج صدور السعوديين, فهي زادت في اطمئنانهم إلى استقرار اقليمهم, إذ طالما تنعم الشقيقة الكبيرة لهم بالاستقرار, فهم ينعمون به, ومرد ذلك ادراكهم أن المملكة عملت, طوال العقود الماضية, على دحر مزعزعي أمنها وأمن المنطقة بحزم وقوة, فكانت دائما ضمانة الجميع.
الامير سلمان, رسم, في كلمته, صورة لما تعرضت له المملكة منذ بدأ عصر الانقلابات في العالم العربي عام 1952 والمحاولات المستمرة لتقويض أمنها إلا أن هذه المحاولات كانت تفشل بفضل العلاقة المميزة بين القيادة والشعب الذي لم تبهره الشعارات الرنانة ولا الايديولوجيات المستوردة من الخارج, اشتراكية كانت أو قومية أو شيوعية, لانه يعيش العدل في ظل قيادة تتخذ من أسمى مبادئ الحياة فكرا لها ألا وهو الإسلام الحنيف.
فمنذ البدء ادرك الشعب السعودي أنه ليس بحاجة إلى ما سمي, زورا وبهتانا, الربيع العربي, ورأى فيه كلاما روجه المرجفون للتسلل عبره والعبث باستقراره, وكان أن التف حول قيادته ليشكل معها جبهة قوية في وجه رياح السموم التي تنفثها ثعابين “الاخوان” وغيرهم من طلاب السلطة ومروجي الفوضى ومحيكي المؤامرات وهذا ما عبر عنه الامير سلمان في رد حاسم على من كانوا يراهنون على شق الصف السعودي.
العيد الوطني السعودي عيد خليجي بامتياز, فهذه الدولة هي قاطرة المنطقة, وباحتفالها باليوم الوطني رسالة اطمئنان الى كل شعوب الخليج بأن لا خوف على دوله طالما أن الشقيقة الكبرى مستقرة وقوية بقوة شعبها وقيادتها.
ويا خادم الحرمين ويا ولي العهد, لا نبالغ إذا قلنا إن عز السعودية هو عزنا جميعا نحن الخليجيين.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق