أعتقد ان النخبوية السلبية تعطل تحقق المواطنة الايجابية والحقة. فلا بد ان تتعارض معطيات ونتائج التفكير النخبوي الاحتكاري والاقصائي مع واجبات ومسؤوليات المواطنة الحقة, فالتحولات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة كرست بشكل او اخر التفاعل الاجتماعي الديمقراطي والعادل وبدات تكرس كذلك “المساواة في المواطنة” بين اعضاء المجتمع. فما تؤدي اليه النخبوية هو الاحتقان الاجتماعي والذي يمكن ان يتفجر في اي لحظة, وخصوصا حين يمر المجتمع بازمات صعبة او حين يقع تحت تاثير تحولات انتقالية تاريخية.
في المجتمع العادل يستطيع اي مواطن يمتلك المؤهلات والمهارات والقدرات الذاتية ان يربط اماله وتطلعاته لتحقيق نجاحه الشخصي, اما في المجتمع النخبوي فتغلي الاحتقانات النفسية بين بعض المواطنين تحت سطح النسيج الاجتماعي, فالحكومات الجادة تسعى بكل ما تستطيع من قوة الى مساواة حقول التنافس الشريف بين مواطنيها عن طريق تكريس هيبة القانون في المجتمع وتكريس مزيد من العدالة الاجتماعية ومكافحة تضارب المصالح والتنفيع النخبوي.
وتشير النخبوية الى سلوكيات وتصرفات سلبية في المجتمع ترسخ وتحاول شرعنة اختيار نخبة وصفوة اجتماعية معينة من المواطنين في الحصول على مناصب معينة من دون الاحتكام الى مؤهلات وقدرات هؤلاء الاشخاص. فمؤهل الشخص النخبوي هو فقط انتماؤه لطبقة اجتماعية معينة او انتماؤه لجماعة سياسية تملك نوعا من قوة الضغط. والنخبوي يعرف تماما انه مهما حاول الشخص الاخر الحصول على وظيفة او منصب معين بجهده وكفاءته الوظيفية والعلمية او خبرته, فمن سيفرح ويسعد اخر الامر هو النخبوي!
ولعل ما هو اكثر ضررا حول رواج النخبوية الاحتكارية والاقصائية في اي مجتمع انساني انها ترسخ مختلف انواع الاحتقانات الاجتماعية. فالنخبوية تبقي الجو الاجتماعي العام مشحونا بالاحتقان النفسي السلبي, فالمجتمع الذي تروج فيه سلوكيات وتصرفات النخبوية السلبية يصعب على اعضائه تحقيق تلاحم اجتماعي فيما بينهم بينما يعلم كثير منهم ان الكلمة الاولى والاخيرة في تحديد النجاح الشخصي ليست المؤهلات والقدرات الشخصية للافراد, بل من هم? ومن ينتمون اليه? وما هي طبقتهم الاجتماعية? النخبوية تتناقض مع كل مبادئ المواطنة الحقة والايجابية.
وبالطبع, ما ان يواجه اي مجتمع انساني تحديات تاريخية معينة, فستظهر على سطحه طبيعته الاجتماعية الاساسية: فاذا كانت العدالة الاجتماعية والمواطنة الصالحة هي الرائجة بين الناس فستراهم يتلاحمون ويتالفون فيما بينهم في وجه تحدياتهم المشتركة. اما اذا كانت النخبوية هي الرائجة في المجتمع, فعادة تكون النتائج سيئة لكل الاطراف.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق