لاتزال قضية القروض تؤرق نسبة كبيرة من الكويتيين, فمع وجود 60 ألف مواطن صدرت بحقهم أوامر ضبط وإحضار في قضايا مالية مدنية, وبعضهم لا تتجاوز ديونه الألف دينار, ليس هناك من يبحث عن حل جذري لهذه المشكلة, إنما تكون الحلول, دائما, في مصلحة الطرف الأقوى, أي الدائنين, وهو ما يثير المخاوف لدى المواطنين كافة ويعرقل حركة الائتمان.
وإذا كان التجار والشركات والدائنون يحمون أنفسهم بجعل الحبس- أي الاكراه البدني- سيفا مصلتا على المقترضين يبقى هؤلاء عرضة, في حال تعثرهم بالسداد, لانهيار حياتهم وتمزق عائلاتهم. ففيما ألغت الدول حكم الحبس في القضايا المالية المدنية, لا تزال الكويت تعمل بهذا القانون المجحف, ما أدى إلى تفاقم المشكلة التي بسببها تحولت الأجهزة الأمنية الى محصل ديون, الأمر الذي جعل آلاف العائلات ترزح تحت وطأة ملاحقات أمنية احالت حياتها جحيما.
إلى متى تستمر الحال على هذا النحو؟ ألا يمكن معالجة الأمر بأسلوب حضاري, لا يجعل عاجزاً عن سداد ألف دينار مثلاً يعيش في خوف دائم ولا يمنعه من العمل لإيفاء دينه, أم أن رميه في السجن يحل المشكلة؟ أليس هذا الأسلوب المأخوذ من قوانين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أصبح في غالبية الدول عاراً جعلها تبدل قوانينها لتكون أكثر احتراما لحقوق الإنسان, لاغية منها حبس المديون أو منع سفره؟
لاشك أن هناك الكثير من الأساليب الممكن من خلالها تحصيل الديون البسيطة من دون حجز حرية الناس ومنعهم من العمل وبالتالي زيادة معاناتهم. ولابد من الاعتراف هنا أن هذا النوع من المشكلات يتحمل المسؤولية فيه الدائن أولاً, إذ عليه التأكد من القدرة المالية للثاني قبل إقراضه.
هناك الكثير من الإجراءات الضامنة تحصيل الديون غير الحبس في حال تعثر المدين, أكان في الحجز على الاملاك أو الاقتطاع القسري من الراتب وغيرها من الاجراءات التي لا تصل إلى حد الحبس الذي هو مخالف لحقوق الانسان.
القوانين في العالم تطورت كثيراً, ومنها دول الخليج, ولم يعد الحبس هو العقاب على هذا النوع من القضايا المدنية, بل إنه حتى الشيك بلا رصيد لم يعد يعتبر جناية تستدعي سجن مصدره. ففي بريطانيا, مثلاً, لا تقبل الشيكات في الكثير من المعاملات, وخصوصا المشتريات الشخصية, فيما في الكويت لا تزال عقوبة إصدار شيك بلا رصيد الحبس ثلاث سنوات.
والمؤسف أن هناك شركات تمارس خداعا قانونيا موصوفا لا تحاسب عليه, إذ تلزم المقترض توقيع شيكات عن كل الاقساط وفي حال تعثره في سداد قسطين تدفع بتلك الشيكات الى النيابة العامة ليصار بعدها إلى سجنه, بما يصل أحياناً الى 30 سنة أو أكثر لأن عقوبة كل شيك ثلاث سنوات.
آن الأوان لتغيير القوانين المجحفة التي لا تخالف فقط حقوق الإنسان, إنما هي في الاصل مخالفة للشريعة ومناقضة لجوهر الدستور, فمن بين الـ60 ألفاً هؤلاء, هناك نحو 57 ألفاً, طبعا بينهم آلاف النساء والشباب, قضاياهم مدنية, فيما دين بعضهم لا يتعدى ال¯ 400 دينار والبقية الباقية قضاياهم المالية جنائية وفيها وحدها يستخدم الضبط والاحضار, فهل يعتقد من بيدهم الحل القانوني لهذه المعضلة أنهم عبر الصناديق المقيدة بعشرات الشروط والتي لا تحل مشكلة, إنما تفاقمها, يحمون اقتصادا ويحافظون على الثروات, ام أنهم يزيدون بؤس الناس ويدفعون بعائلات أكثر الى العوز والتفكك؟ أين الانصاف في هذا؟ وكيف تحمي الدولة مواطنيها؟
اذا كانت الدولة فعلاً تريد منع الكوارث الاجتماعية الناتجة عن هذه القضايا فلتدفع الديون عن هؤلاء المعوزين.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق